[١٠٥ ب] ومر بعض الكتاب بالدسكرة فرأى ما فيها من البنيان والمصانع والقصور وخان الآجر وحبس كسرى والمدينة فقال (١) :
يا من يأمّ إلى بغداد مجتهدا |
|
أرح مطيّك بين الحبس والحان |
بين القناطر والدساكر والقرى |
|
فمحلّ كسراها أنوشروان |
تنبيك آثار الملوك بأنّهم |
|
كانوا ذوي بأس ذوي سلطان |
ولقد عجبت وفي الزمان عجائب |
|
ما عاينت عيناي في الإيوان |
إيوان كسرى شاهق شرفاته |
|
عالي الذرى مستوثق الحيطان |
ما أن به إلّا الصدى وحمائم |
|
مخضرة تدعو على الأغصان |
بعد النواعم والأوانس بدّلت |
|
هاما وعقبانا مع الغربان |
وتبدّلت بعد الأنيس فما ترى |
|
إلّا العزيف بها من الجنّان |
وقال يحيى بن معاذ : اصرف طرفك في القصور المشيدة والحصون الممردة الأركان ، الشاهقة الجدران ، وانظر إلى الأبواب المترفة العجيبة البنيان. كيف قد نظمت بكيد المحتالين وإنفاق المشرقين ومهارة الشابزين (٢). عريضة القواعد ، محكمة الوسائد ، منيفة الذرى ، صعبة المرتقى. للطير في جوانبها وكور ، وللقطر في معالمها ندوب. قد أنافت على الأبنية () (٣) وتطاولت على الهضاب بارتفاعها. وأحكمها عاملوها وجردوا فكرهم فيها وبذنوا ذخائرهم فيها وأزاحوا علل مشيديها ، وبلغوا أقصى الأمل منها. وجعلوها عدة للدهر وحصنا للزمن. فلا ينالهم فيها عناء. ولا ظفر محاول. فيها العيون الجارية والقباب العالية والحجر السامية. والخرد النواعم والأبكار الفواتن يجررن في عرصاتها الذيول ، يسطع منهن ذكي المسك ويعبق العنبر. ترى باطن حيطانها كالو (٤) ذابلة تبرق بماء
__________________
(١) انفرد المختصر بذكره هذه القصيدة.
(٢) كذا في الأصل.
(٣) كلمة مطموسة.
(٤) كذا في الأصل.