وكانت الفلاسفة تقول : أفضل مستنبط المياه ما كان محاطا بشعاب الأودية. وأمثل منازل السفر ما اتخذ على مجامع الطرق. وأمثل الغيث ما أمرع.
وقال بعض العرب : إن الله عزّ وجلّ أخفى ماء بإرم والبديعة ونعمان وعنلان لعباده المؤمنين. وهذه المياه كلها.
وقال المنصور يوما لجلسائه ـ وقد تذاكروا البرّ والبحر ـ : عدوّا أربعة عشر مرحلة من أي موضع شئتم ، فإنكم لا تبلغون آخر العدد حتى تصلوا إلى البحر ، إن شئتم شرقا وإن شئتم غربا.
وقال السدي : الجبل الذي تطلع الشمس من ورائه ، ارتفاعه في السماء ثمانون (١) فرسخا.
وقال [١٠٧ ب] المروزي (٢) : قرأت على المأمون جواب أرسطاطاليس أستاذ الإسكندر إلى الإسكندر فيما أعلمه من فتحه البلدان وجمعه الأموال التي يتعذر عليه حملها ، وعجبه من بيت ذهب ظهر له بالهند. فأجابه : إني رأيتك تعجب من عمل عملته أيدي الآدميين ، وتترك التعجب من هذا السقف الرفيع الذي هو فوقك وتزيين من زيّنه بالكواكب ونصبه على الحكمة البالغة. فأما البلدان التي افتتحتها ، فليكن ملكك إياها بالتودد إلى أهلها. ولا تملكها عليهم بالقهر والبغضاء. فإن طاعة المودة أحمد بدءا وعاقبة من طاعة القهر والاستكراه. وأما الأموال ، فليكن حملك إياها في جلد ثور. ففهم عنه الإسكندر ما رمز به إليه في هذه اللقطة ودفن في كل بلد شيئا من الأموال ، وأثبت مواضع الكنوز في جلد ثور مدبوغ وحمله إلى الروم. فهو إلى اليوم باق في خزانة الملك. فربما أمر بإخراجه وانتساخ مواضع منه ، وأنفذ قوما من أصحابه وكتبها لهم فاستخرجوها. وأكثر ذلك في الجبال والمواضع التي يخفى أمرها.
__________________
(١) في الأصل : ثمانين.
(٢) يوجد اثنان باسم (أبي يحيى المروزي) أحدهما طبيب مشهور بمدينة السلام والآخر طبيب وعالم بالهندسة (ابن النديم ٣٢٢).