واجتاز رجل من بني تميم برجل منهم وهو يغرس فسيلا. وكان الغارس شيخا. فقال له : كم أتى عليك من السنين أيها الشيخ؟ قال : قد جاوزت السبعين (١). قال : فمثلك يعمل ما أرى؟ فأنشأ الشيخ يقول
اغرس فسيلا ونم عنه فسوف ترى |
|
يوما فسيلك إن عمّرت عيدانا |
فالعرق يسري إذا ما نام صاحبه |
|
وليس يسري إذا ما كان يقظانا |
نغرس يا أخا تميم ما ترى. فإن عشنا أكلنا من تمره. وإن متنا خلفناه الأولاد. قال : إنك لبعيد الأمل. قال : اي والله. إني لبعيد الأمل ، خائف لقرب الأجل. ولست ممن يفرط في عمران دار لا يدري لعله سيطول مقامه فيها. ومنها يتزود إلى الدار التي لا يدري متى يصير إليها. ولو أنّ من كان قبلنا أخذوا بمثل رأيك ما خلف الوالد لولده شيئا ولا ورث ميتا حيّ.
قال التميمي : فانصرفت عنه وغبرت برهة من الدهر ثم مررت بذلك المكان. فرأيت نخلا عاليا مثمرا وآخر دونه. وإذا فتيان وأحداث ، فقعدت إليهم وقلت [١٠٨ أ] : من غرس هذا النخل؟ قالوا : ذلك الشيخ. فأتيته فسلمت عليه ثم قلت : أتعرفني؟ فتأملني ثم قال : أحسبك صاحبنا المعنّف لنا على غرس ما ترى. قلت : أنا والله هو وأنشدته بيته. فعانقني وأقبل يحدثني وقال : إن الله فاعل ما يشاء. فلا يكونن خوفك ماحقا لرجائك ولا بأسك غالبا لطمعك. وإذا الفتيان بنوه وبنو بنيه. فأقمت في ضيافته أياما وانصرفت.
وقال بعضهم : قرأت على باب قصر خراب (٢) :
كم قد توارث هذا القصر من ملك |
|
فمات والوارث الباقي على أثر |
قال : وقرأت على باب مدينة خراب :
كم من مدائن بالآفاق خالية |
|
أمست خرابا وذاق الموت بانيها |
__________________
(١) في المختصر : الستين.
(٢) المختصر : على قصر بالعقيق.