ثم حمله إلى كورة دنباوند فسجنه هناك في جبل يسمى جبل الحدّادين في قرية اسمها قرية الحدادين أيضا. ووكل به أرمائيل ومثّل بين يديه في القلة صورة أفريدون وطلسم عليه طلسما وبنى حوله حوانيت رتّب فيها قوما حدادين يضربون مطارقهم نوائب على سنداناتهم ليلا ونهارا شتاء وصيفا لا يفترون عن ذلك وجعله في كهف عظيم في جوف القلة وأثقله بالحديد وجعل على باب الكهف عدة أبواب حديد وأسقط عن سكان هذه القرية الخراج والعشر وجميع النوائب ، فليست عليهم مؤونة إلّا ضرب هذه المطارق على سندانات خالية ، ويتكلمون على ضربهم بكلام موزون ويهمسون به عند ضربها لئلا يقطع البيوراسف سلاسله وأغلاله فيقال إنه يلحس أغلاله دائما ليلا ونهارا فتدق عن لحسه ، فإذا ضرب (١) هؤلاء بالمطارق عادت إلى حالها في الغلظ والوثاقة. ويقال إن الطلسم الذي يمنعه من قطع السلاسل بعد لحسه إياها فهو معمول في ضرب هؤلاء الحدادين بمطارقهم.
ومضى أفريدون ـ بعد أن حبسه في الكهف واستوثق منه ـ منصرفا إلى دار مملكته [١٤٣ أ] ووكل أرمائيل بحفظ البيوراسف وطعامه. فكان يذبح له في كل يوم رجلين فيغذي بأدمغتهما حيّتيه اللتين على كتفيه أعواما.
ثم إن أرمائيل تحوّب من ذبح الناس فتلطّف في استنقاذهم واحتساب الأجر في إطلاقهم من القتل ، فمضى إلى قرية من قرى دنباوند تسمى مندان فبنى على جبلها أبنية جليلة وقصورا عظيمة وجعل فيها بساتين وعيونا تجري في صحون تلك الدور والبساتين ، وبنى في بعض تلك القصور بيتا بخشب الساج والابنوس وصور فيه جميع الصور ، فلم يكن لأحد في ناحية المشرق ، بناء أشرف منه ارتفاعا وحسنا ودقة نقوش وكثرة عمل وتزاويق وتصاوير وتماثيل.
فما زال ذلك البنيان قائما حتى استنزل المهدي بن المصمغان من القلعة المعروفة بالهيرين ـ وكان قد أعطاه الأمان ـ فلما جاء به إلى الري أمر بضرب عنقه.
فلما استخلف الرشيد وصار إلى الري أخبر بمكان ذلك البنيان فصار إليه
__________________
(١) في الأصل : فإذا ضربوا.