شفاعة محمّد (صلى الله عليه وسلم) قال الله جلّ ذكره : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) ولم يقل مثابة للعرب دون العجم ، إذ كان اسم الناس شاملاً للفريقين ، فقد جعله الله مثابة للجميع ، والدليل على ذلك قول الله عزّ وجلّ : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ) الآية فمن شرف مكّة أمنه ، ومقام إبراهيم فيه ، وحجّ الأنبياء إليه ، وأن أهلها في الجاهليّة كانت لقاحا لم يؤدّوا أتاوة قطّ ، ولا ملكهم ملك ، وكانوا يتزوّجون في أيّ القبائل شاءوا ، ولا يشترط عليهم في ذلك ولا يزوّجون أحدا إلا بعد أن يشترطوا عليهم أن يكونوا حمسا على دينهم ويدان لهم وينتقل إليهم ، فحمّسوا خزاعة ودانت لهم ، وحمّسوا عامر بن صعصعة ودانت لهم ، وحمّسوا ثقيفا ودانت لهم ، سوى من حمّسوا من عدد الرجال ، ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحلّ إذا دخلوا الحرم ، وأن يخلعوا ثياب الحلّ ، ويستبدلوا ثياب الحرم إمّا شرى أو عاريّة أو هبة ، فإن أتى بذلك وإلا طاف بالبيت عريانا ، وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك ، وكلّفوا العرب أن تفيض من المزدلفة ، وهم بعد أعزّ العرب يتأمّرون على العرب قاطبة ، وهم أصحاب الهريس والحرير والثريد والضيافة والأندية والفالوذج ، وأول من ثرد الثريد منهم عمرو وهو هاشم بن عبد مناف وفيه يقول الشاعر(١) :
عمرو العلى هشم الثريد لقومه |
|
ورجال مكّة مسنتون عجاف |
ولهذا سمّي هاشما.
ذكر البيت الحرام وما جاء فيه
قال الله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) ، عن وهب بن منبّه أنه قال : إن الله جلّ وعزّ لمّا أهبط آدم (عليه السلام) من الجنّة إلى الأرض حزن واشتدّ بكاؤه على الجنّة ، فحباه الله بخيمة من خيام الجنّة ، فوضعها له بمكّة في موضع الكعبة ، قبل أن تكون الكعبة وكانت من ياقوتة حمراء ، فيها قناديل من ذهب ، وأنزل معها الركن ، وهو يومئذ ياقوتة بيضاء ، وكان كرسياً لآدم (عليه
__________________
(١) هو ابن الزبعرى السهمي (أخبار مكة ١ : ١١١).