ذكر عكرمة عن ابن عبّاس أنّه قال : لو افترى أبو بكرة على المغيرة بن شعبة مائة مرّة لم يكن عليه إلّا الحدّ الأوّل (١).
قوله : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤) : أي العاصون ، وليس بفسق الشرك ، ولكن فسق النفاق. وهي كبيرة من الكبائر الموبقات.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : قذف المحصنات من الكبائر (٢).
قال : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥).
قال الحسن وسعيد بن المسيّب : توبته فيما بينه وبين الله تنفعه ، ولا شهادة له ، أي إنّهما رجعا إلى أوّل الآية : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً).
ذكر سعيد بن المسيّب أنّ عمر بن الخطّاب قال للذين شهدوا على المغيرة بن شعبة حين جلدهم : من رجع منكم عن شهادته أجزنا شهادته ، ثمّ تلا هذه الآية : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يعني أنّ رجوعهم عن الشهادة هي توبتهم. وقال بعضهم : يقوم على رءوس الناس فيكذّب نفسه.
__________________
(١) هو أبو بكرة الثقفي الطائفيّ ، واسمه نفيع بن الحارث. وإنّما لقّب بذلك لأنّه تدلّى في حصار الطائف ببكرة فارّا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأسلم على يديه. ولّما أخبره أنّه عبد أعتقه رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فكان أبو بكرة يقول : أنا مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وأمّه سميّة ، فهو أخو زياد بن أبيه لأمّه. كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم. سكن البصرة زمن الأمويّين. وكان له معهم مواقف تشهد بقوّة إيمانه وصلابة دينه. وقصّته في قذف المغيرة بن شعبة وجلد عمر إيّاه وأخاه نفيعا وشبل بن معبد قصّة مشهورة. فقد شهد الثلاثة على المغيرة ونكل زياد بن أبيه فجلد عمر الثلاثة حدّ القذف ، ولم يقم الحدّ على المغيرة. ثمّ إنّ عمر استتابهم فتاب الاثنان ، وثبت أبو بكرة على شهادته ، وأبى أن يتوب. انظر ترجمته ونبذة عن حياته وأخباره في الاستيعاب ، لابن عبد البرّ ، ج ٤ ص ١٦١٤ ، وسير أعلام النبلاء للذهبيّ ، ج ٣ ص ٥ ـ ٨. وانظر محمّد رواس قلعه جي ، موسوعة فقه عمر ، ص ٥٥٢ ـ ٥٥٣. وانظر ابن حجر ، فتح الباري ، ج ٥ ص ٢٥٦.
(٢) أخرجه يحيى بن سلّام هكذا : «وحدّثني أبو أميّة عن يحيى بن كثير أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال ...». ولم أعثر عليه بهذا اللفظ. ولكنّ قذف المحصنات ورد في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة في كتاب المحاربين من أهل الكفر والرقّة ، باب رمي المحصنات ، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب بيان الكبائر وأكبرها ، وأوّله : «اجتنبوا السبع الموبقات ...» ، وفي آخره : «وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».