القرقر. (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ) : أي العطشان (ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) : يقول :
إنّ المنافق أقرّ بالله ربّا ، وبمحمد نبيّا ، وبما جاء به حقّا ، ولم يعمل لله شيئا بما أقرّ له به ، واعتمد على الإقرار دون الوفاء بالأعمال ، حتّى إذا صار إلى الآخرة لم يجد ثواب عمله إذ لم يكمل لله فرائضه ، وحسب أنّ الله يثيبه على الإقرار دون الوفاء بالأعمال ؛ فكان مثله مثل العطشان الذي رأى السراب فظنّ أنّه ماء ، حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا. وهو كقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (١٨) [إبراهيم : ١٨]. والعطشان مثل المنافق ، والسراب مثل إقراره يحسب أنّه أغنى عنه شيئا ، حتّى يأتيه الموت ، فإذا جاءه الموت لم يجد إقراره أغنى عنه شيئا إلّا كما ينفع السّراب العطشان (١).
قوله : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) : أي ثواب عمله السيّء وهو النار. (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣٩).
ثمّ ضرب الله مثل المشرك فقال : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ) : فهذا مثل آخر للكافر المشرك ، أي : مثل قلب المشرك في بحر لجّيّ [أي : عميق قعير أي : غمر] (٢) (يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) : ثمّ وصف ذلك الموج فقال : موج (مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) : أي ظلمة البحر وظلمة الموج وظلمة السحاب وظلمة الليل ، فكذلك قلب المشرك مظلم في صدر مظلم في جسد مظلم. قال : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) : أي من شدّة الظلمة (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠).
فهذه ثلاثة أمثال مثلها الله في هذه السورة : مثل المؤمن ، ومثل المنافق ، ومثل المشرك ، بيّنة واضحة معقولة. قال : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (٤٣) [العنكبوت : ٤٣].
__________________
(١) تفسير هذه الآية للشيخ هود الهوّاريّ ولا شكّ. وقد خالف فيه تفسير ابن سلّام الذي جعل الآيتين هذه والتي تليها تعني الكافر مطلقا ، بينما فصل الشيخ هود فجعل الأولى للمنافق والثانية للمشرك. انظر سع ورقة ٥٤ ظ.
(٢) زيادة من سع ورقة ٥٤ ظ ؛ والقول لقتادة.