على سريره ، والناس حوله على الكراسي ، فظنّت أنّها مخاضة (١) ، فكشفت عن ساقيها. وكان لها شعر ، فلمّا رآها سليمان كرهها. فعرفت الجنّ أن سليمان قد رأى منها ما كانت تكتم. قالت لها الجنّ : لا تكشفي عن ساقيك ولا عن قدميك فإنّه صرح ممرّد ، أي مملّس ، من قوارير.
وقال بعضهم : كان الصرح بني من قوارير على الماء. فلمّا رأت اختلاف السمك من ورائه لم يشتبه عليها أنّه لجّة ، وكشفت عن ساقيها. وكان أحد أبويها جنّيّا. وقال مجاهد : كانت أمّها جنّيّة. قال : وكان مؤخّر رجليها كحافر الدّابّة ، فكانت إذا وضعته على الصرح هشمته. قال مجاهد : كان الصرح بركة ماء ضرب عليها سليمان قوارير ألبسها إيّاه.
وقال بعضهم : إنّها لّما أقبلت إلى سليمان خافت الشياطين من أن يتزوّجها سليمان ، وقالوا : قد كنّا نلقى من سليمان من السخرة ما نلقى ، فكيف إذا اجتمع عقل هذه وتدبيرها مع ملك سليمان ونبوّته ، مع أنّ أمّها كانت من الجنّ ، فالآن هلكتم. فقال بعضهم : أنا أصرف سليمان عنها حتّى لا يتزوّجها. فأتاه فقال له : إنّه لم تلد قطّ جنّيّة من إنسيّ إلّا كان رجلها رجل حمار ، فوقع ذلك في نفس سليمان. وكان رجل من الجنّ يحبّ كل ما وافق سليمان ، فقال : يا نبيّ الله ، أنا أعمل لك شيئا ترى ذلك منها ، فعمل الصرح.
(فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) فرأى سليمان قدميها قدمي إنسان ، ورأى على ساقها شعرا كثيرا فساءه ذلك. فقال الجنّيّ الذي يحبّ كلّ ما وافق سليمان : أنا أعمل لك ما يذهب ذلك الشعر الذي ساءك ، فعمل له النورة (٢) والحمّام. وكان أوّل من عمل النورة والحمّام ، وتزوّجها سليمان في قول بعضهم. (قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) : أي أضررت نفسي. وبعضهم يقول : نقصت نفسي ، يعني بما كنت عليه من الكفر. (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٤).
قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) : أي أخوهم في النسب وليس بأخيهم في الدين. (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) (٤٥). قال بعضهم : يقول : إذا القوم بين مصدّق ومكذّب ، أي : مصدّق بالحقّ ، ونازل عنده ، ومكذّب بالحقّ وتاركه ، في ذلك
__________________
(١) هي الأرض التي بها ماء يخاض فيه لا جتيازها تسمّى : مخاضة ومخاض.
(٢) النورة : هناء يتّخذ من حجر محرق يدقّ فيوضع على البشرة ويطلى به الموضع الذي يراد إزالة الشعر منه.