وقع في نفسه مثل الحسد له. ثمّ فكّر فقال : أليس هذا الذي قدر على ما لم أقدر عليه مسخّرا لي. (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ). وقال بعضهم : هو جبريل الذي قال : (أَنَا آتِيكَ بِهِ).
قوله : (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) : قال مجاهد : غيّروا لها عرشها. وقال بعضهم : وتغييره أن يزاد فيه وينقص منه. (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) : أي أتعرفه (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) (٤١) : أي أم لا تعرفه.
قوله : (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ) : على الاستفهام. (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) : أي شبّهته. قال سليمان : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) : يعني النبوّة. (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) (٤٢).
قوله عزوجل : (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) : أي كفرها بالله الذي صدّها عن الهدى ، ليس الوثن (١). (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) (٤٣).
(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) : تفسير الحسن أن سليمان أمر الشياطين أن تصنع صرحا ، أي : مجلسا من قوارير.
وقال الكلبيّ : إنّ الجنّ استأذنوا سليمان فقالوا : ذرنا فلنبن صرحا من قوارير ، والصرح قصر ، فننظر كيف عقلها. وخافت الجنّ أن يتزوّجها فتطلع سليمان على أشياء كانت الجنّ تخفيها من سليمان. وذلك أنّ أحد أبويها كان جنّيّا ، فلذلك تخوّفوا ذلك منها.
قال الكلبيّ : فأذن لهم. فعمدوا إلى الماء ففجّروه في أرض فضاء ، ثمّ أكثروا فيه من الحيتان والضفادع ، ثمّ بنوا عليه سترة من زجاج ، ثمّ بنوا من حوله صرحا ، أي : قصرا ، ممرّدا من قوارير ؛ الممرّد : الأملس. ثمّ أدخلوا عرش سليمان ، أي : سريره ، وعرشها وكراسي عظماء الملوك. ثمّ دخل الملك سليمان صلىاللهعليهوسلم ، ودخل معه عظماء جنده. ثمّ قيل لها : ادخلي الصرح ، وفتح الباب. فلمّا أرادت الدخول إذا هي بالحيتان والضفادع ، فظنت أنّه مكر بها لتغرق. ثمّ نظرت فإذا هي بالملك سليمان
__________________
(١) كذا في ب وع. وجاءت العبارة في سع ورقة ٦٨ و ، وفي سح ٢٨ هكذا : «كفرها بقضاء الله ، غير الوثن ـ وذلك من قضاء الله ـ صدّها أن تهتدي إلى الحقّ». وهو تفسير مجاهد. وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٢٩٥ في تفسير الآية : «يقول : هي عاقلة ، وإنّما صدّها عن عبادة الله عبادة الشمس والقمر ، وكان عادة من دين آبائها». وانظر وجوه إعراب (ما) وكسر همزة إنّ أو فتحها كما يراها الفرّاء في الآية.