قوله : (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) : أي بسريرها (قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (٣٨). وذلك أنّه لّما بلغ سليمان أنّها جائية ، وكان قد ذكر له سريرها فأعجبه. [وكان عرشها من ذهب ، وقوائمه لؤلؤا وجوهرا. وكان مستّرا بالديباج والحرير ، وكانت عليه سبعة مغاليق ، فكره أن يأخذه بعد إسلامها] (١) وقد علم أنّهم متى أسلموا تحرم أموالهم مع دمائهم ، فأحبّ أن يؤتى به قبل أن يكون ذلك من أمرهم. فقال : (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ). قال الكلبيّ : (قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) قبل أن يأتوني مقرّين بالطاعة.
(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ) : أي مارد من الجنّ ، والعفريت لا يكون إلّا الكافر : (أَنَا آتِيكَ بِهِ) : أي بالسرير. (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) : ومقامه مجلسه الذي يقضي فيه. أي : لا يفرغ من قضيّته حتّى يؤتى به ، فأراد صلىاللهعليهوسلم ما هو أعجل من ذلك. (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) (٢٩) (٢).
ف (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) : وكان رجلا من بني إسرائيل يقال له : آصف بن برخيا (٣) ، يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب : يا ذا الجلال والإكرام ، والمنن العظام والعزّ الذي لا يرام. هذا تفسير اسمه الأعظم ، والله أعلم. (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) : وطرفه أن يبعث رسولا إلى منتهى طرفه فلا يرجع حتّى يؤتى به (٤).
فدعا الرجل باسم الله : (فَلَمَّا رَآهُ) : يعني رأى سليمان السرير (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) : أي أشكر نعمة الله أم أكفرها. (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٤٠).
ذكر ابن عبّاس قال : إنّ صاحب سليمان الذي عنده علم من الكتاب كان يحسن الاسم الأكبر ؛ فدعا به ؛ وكان بينه وبين السرير مسيرة شهرين ، فلمّا أتى به ورآه سليمان مستقرّا عنده كأنّه
__________________
(١) زيادة من سع ومن سح ، وقد جاءت بعض الجمل فاسدة مضطربة فأثبتّ التصحيح من سع وسح.
(٢) لم ترد هذه الجملة الأخيرة من الآية في كلّ المخطوطات.
(٣) لم يرد اسم برخيا إلّا في مخطوطة ع.
(٤) هذا وجه من أوجه تأويل ارتداد الطرف ، وهنالك أوجه أخرى ذكرها المفسّرون : منها : «أن يبلغ طرفك مداه وغايته». انظر ابن الجوزي ، زاد المسير ، ج ٦ ص ١٧٥ ، وتفسير الطبري ، ج ١٦ ص ١٦٤.