(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) : أي إنّها استشارتهم (١) (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) (٣٣).
قال بعضهم : ذكر لنا أنّه كان لها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا هم أهل مشورتها ، كلّ رجل منهم على عشرة آلاف فجميعهم ثلاثة آلاف ألف ومائة ألف وثلاثون ألفا. (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) : أي خرّبوها (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) قال الله : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٣٤).
قوله : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٣٥) : أي رسلي (٢) ، أي : إن قبل هديّتنا فهو من الملوك وليس من أهل النبوّة كما ينتحل.
وقال بعضهم : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) فمصانعتهم بها عن ملكي إن كانوا أهل دنيا. فبعثت إليهم بلبنة من ذهب في حريرة وديباج. فبلغ ذلك سليمان ، فأمر بلبنة من ذهب فصيغت ، ثمّ قذفت تحت أرجل الدوابّ على طريقهم تبول عليها وتروث عليها. فلمّا جاءت رسلها فرأوا اللبنة تحت أرجل الدوابّ صغر في أعينهم الذي جاءوا به.
وقال مجاهد : بعثت إليهم بجوار قد ألبستهنّ لباس الغلمان ، وغلمان قد ألبستهم لباس الجواري ، فخلّص سليمان بعضهم من بعض ، ولم يقبل هديّتها.
قوله : (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ) : أي ما أعطاني الله (خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) : أي خير ممّا أعطاكم (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) (٣٦).
(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) : يعني الرسل (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) : أي لا طاقة لهم بها (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٧).
__________________
(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٢٩٢ : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي) جعلت المشورة فتيا ، وذلك جائز لسعة العربيّة».
(٢) يذكر بعض الرواة أنّ الرسول كان واحدا ، وقيل : كان امرأة. ويستدلّ الذين يقولون إنّ الرسول كان واحدا بقوله تعالى فيما بعد : (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ) أي : فلمّا جاء الرسول سليمان. وبقوله : (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ). انظر معاني الفرّاء ، ج ٢ ص ٢٩٣.