أي : كيما (١) يصدّقني ، أي : كي يكون معي في الرسالة. (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) (٣٤).
(قالَ) الله تعالى : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) : أي حجّة (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) (٣٥).
فانطلق موسى إلى فرعون ، وأوحى الله إلى هارون أن يستقبل أخاه فاستقبله. فأتيا باب فرعون ، فقالا للبوّاب : اذهب فأخبر فرعون أنّ بالباب رسول ربّ العالمين. فدخل عليه البوّاب فقال : إنّ بالباب رجلا مجنونا يزعم أنّه رسول ربّ العالمين. فقال له فرعون : أتعرفه فقال له : لا ، ولكن معه هارون. وكان هارون عندهم معروفا. وكان موسى قد غاب عنهم زمانا من الدهر. قال فرعون : اذهب فأدخله. فدخل عليه ، فعرفه ، في تفسير الحسن. وقال بعضهم : كأنّه عرف وجهه ولم يثبته. ففال : من أنت؟ فقال : أنا رسول ربّ العالمين. فقال : ليس عن هذا أسألك ، ولكن من أنت وابن من أنت؟ فقال : أنا موسى بن عمران. وكان قد ربّاه في حجره حتّى صار رجلا ؛ فقال له فرعون : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) (١٨) أي : وأنت لا تدّعي شيئا من هذه النبوّة (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) (١٩) شعراء : ١٨ ـ ١٩] أي : لنعمتنا ، أي : فيما ربّيناك.
قال الله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا) : أي بحجّتنا (بَيِّناتٍ) : أي واضحات (قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) (٣٦).
(وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) : أي إنّني أنا جئت بالهدى من عنده (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٣٧) : أي المشركون ، أي : لا يدخلون الجنّة ، والمفلحون هم أهل الجنّة. (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) : أي تعمّدا منه للكذب. (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) : أي فاطبخ لي آجرّا ، فكان أوّل من طبخ الآجرّ. (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) : أي فابن لي صرحا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٣٨) فبنى له صرحا عاليا ، وقد علم فرعون أنّ موسى رسول الله ، وهذا منه كذب. قال الله : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا).
__________________
ـ ضيعته. أي : أكنفته وأعنته ، أي : صرت له كنفا».
(١) كذا في ع ، وفي سح ورقة ٥١ : «كيما» وهو الصحيح ، وفي ب : «قيما يصدقني». وفيه تصحيف.