قال الله : (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) (٣٩) : أي يوم القيامة.
قال : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ) : وقد فسّرنا ذلك في غير هذه السورة (١). قال : (فَانْظُرْ) يا محمّد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (٤٠) : فكان عاقبتهم أن دمّر الله عليهم ثمّ صيّرهم إلى النار.
قال : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) : أي يتبعهم من بعدهم من بعدهم من الكفّار (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) (٤١).
قال : (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) : أي العذاب الذي عذّبهم به ، [أي : الغرق] (٢) (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (٤٢) : أي في النار. وأهل النار مقبوحون مشوّهون ، سود زرق كأن رؤوسهم آجام القصب كالحون ؛ شفة أحدهم السفلى ساقطة على صدره ، وشفته العليا قالصة قد غطّت وجهه ؛ رأس أحدهم مثل الجبل العظيم ، وضرسه مثل أحد ، وأنيابه كالصياصي ، وهي الجبال ، وغلظ جلده أربعون ذراعا ، وبعضهم يقول : أربعون سنة ، تسير الدوابّ فيما بين جلده ولحمه كما تسير الوحوش في البرّيّة ، وفخذه مسيرة يومين. وقال عبد الله بن مسعود : إني أراه يشغل من جهنّم مثل ما بيني وبين المدينة ؛ وهو بالكوفة (٣).
قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) : يعني التوراة (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٤٣) : أي لكي يتذكّروا. فكانت التوراة أوّل كتاب نزل فيه الفرائض والحدود والأحكام. قوله : (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) أي : قرنا بعد قرن ، كقوله : على مقرأ هذا الحرف : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ) [هود : ١٠٢].
__________________
(١) انظر ما سلف قريبا في هذا الجزء ، تفسير الآيات ٥٢ ـ ٦٨ من سورة الشعراء.
(٢) زيادة من ز ورقة ٥٥ و. ومن سح ورقة ٥٣.
(٣) ذهب المؤلّف هنا في تفسير المقبوحين إلى معنى قبحهم الجسماني وقبح صورتهم. وذهب أبو عبيدة والطبريّ إلى معنى الإهلاك في جهنّم ، وذهب آخرون إلى معنى الإبعاد عن كل خير ؛ يقال : قبح الله فلانا قبحا وقبوحا أقصاه وباعده من كلّ خير. وهو معنى وجيه في هذا المقام.