قوله : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي : الذين آمنوا فاعلين الجهاد ولكلّ ما تعبّدهم به من طاعته ، وليعلمنّ المنافقين التاركين للجهاد ولكثير ممّا تعبّدهم به. وقد علم الله ذلك قبل أن يفترض عليهم ما افترض أنّهم سيفعلون وسيتركون ، ولكنّه قال : وليعلمنّكم كاذبين فاعلين وتاركين (١).
قوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) : أي الشرك والنفاق والعمل السيّئ (أَنْ يَسْبِقُونا) : أي حتّى لا نقدر عليهم فنعذّبهم ، أي : قد حسبوا ذلك ، وليس كما حسبوا وظنّوا.
قال : (ساءَ) : أي بئس (ما يَحْكُمُونَ) (٤) : أي أنّ الله خلقهم وتعبّدهم بطاعته ثمّ لا يبعثهم فيجزيهم بأعمالهم. إنهما ظنّان : ظنّ المشركون أن لن يبعثوا ولن يعذّبوا ، وظنّ المنافقون ألّا يعذبوا بعد التصديق والإقرار إذا ضيّعوا الأحكام والفرائض ، فقال الله : ألا ساء ما يحكمون ، أي : بئس ما يحكمون.
قوله : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) : أي من كان يخشى البعث ، وهذا المؤمن ، (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) : أي كائن بعد الموت (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٥) : أي لا أسمع منه ولا أعلم منه.
قال : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) : أي يعطيه الله ثواب ذلك في الجنّة (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٦) : أي عن عبادتهم.
قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٧) : أي يجزيهم به الجنّة.
قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) : يعني جميع الناس (بِوالِدَيْهِ حُسْناً) : أي برّا ، كقوله :
__________________
ـ فقد علم الله الصادق والكاذب قبل خلقهما». وفي اللسان : «الفعال ، بفتح الفاء فعل الواحد ، خاصّة في الخير والشرّ ، يقال : فلان كريم الفعال ، وفلان لئيم الفعال ... وقال المبرّد : الفعال يكون في المدح والذمّ ، قال : وهو مخلّص لفاعل واحد ، فإذا كان من فاعلين فهو فعال ، قال : وهذا هو الجيّد».
(١) هذه الفقرة الأخيرة في تأويل قوله تعالى : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) لم ترد إلّا في مخطوطة ب وع ، وهي زيادة من الشيخ هود ولا شكّ ومن رأيه. وجاء في سع وفي سح قول رواه الحسن بن دينار عن الحسن قال : «والله ما قال عبد في هذا الدين من قول إلّا وعلى قوله دليل من عمله يصدّقه أو يكذّبه». وصدق الحسن.