قال : (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) : وهذا تبع للكلام الأوّل : (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ثمّ أخبر بقدرته فقال : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) : (٦) يعني نفسه. والغيب : السرّ ، والشهادة : العلانية. والعزيز أي : في نقمته ، الرحيم ، أي : بخلقه.
ذكروا عن سلمان الفارسيّ قال : إنّ الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة ، كلّ رحمة منها طباقها السماء والأرض ، فأنزل الله منها رحمة واحدة ، فبها تتراحم الخليقة ، حتّى ترحم البهيمة بهيمتها ، والوالدة ولدها ، حتّى إذا كان يوم القيامة جاء بتلك التسع والتسعين رحمة ، ونزع تلك الرحمة من قلوب الخليقة ، فأكملها مائة رحمة ، ثمّ نصبها (١) بينه وبين خلقه ، فالخائب من خيب من تلك الرحمة.
قوله : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) (٧) : يعني آدم صلىاللهعليهوسلم خلقه الله من طينة قبضها من جميع الأرض : بيضاء وحمراء وسوداء. فجاء بنو آدم على قدر الأرض ؛ فمنهم الأبيض والأحمر والأسود ، والسهل والحزن ، والخبيث والطيّب.
ثمّ قال : (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) : أي نسل آدم (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٨) : أي ضعيف ، يعني النطفة.
قال : (ثُمَّ سَوَّاهُ) : أي سوّى خلقه كيف شاء (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) : أي أحدث فيه الروح. قال : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٩) : أي أقلّكم المؤمنون ، وهم الشاكرون.
قوله : (وَقالُوا) : يعني المشركين (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) : أي إذا كنّا ترابا وعظاما (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) : وهذا استفهام على إنكار ، أي : إنّا لا نبعث بعد الموت. وبعضهم يقرأها (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) ، أإذا نتنّا في الأرض (إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ). قال الله : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) (١٠).
قوله : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) : يقال إنّه [حويت له الأرض] (٢)
__________________
(١) في ب وع : «ثمّ يصبّها» ، والصواب ما أثبتّه : «نصبها» من سح ، ورقة ١٠٤.
(٢) زيادة من تفسير مجاهد ، ص ٥١٠. والقول له. وفي ب وع : «جعلت الأرواح لملك الأرض مثل الطست» ، ـ