وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٢٢) [الأحزاب : ٢٢]. وأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ، إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) أي : محّصوا (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) أي : حرّكوا بالخوف وأصابتهم الشدّة.
قال الله : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) : وهم المنافقون ، وهم المرضى ، والمرجفون في المدينة ، وكل هؤلاء منافقون. وصنّف كل صنف منهم بعلمه ، وهم منافقون جميعا ، وهو كلام مثنى : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) (١٢). وذلك أنّه لّما أنزل الله في سورة البقرة : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (٢١٤) [البقرة : ٢١٤] ، فوعد الله المؤمنين أن ينصرهم كما نصر من قبلهم بعد أن يزلزلوا ، وهي الشدّة ، وأن يحرّكوا بالخوف ، كما قال النبيّون ، حيث يقول الله : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) قال الله : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) ؛ فقال المنافقون : وعدنا الله النصر [فلا ترانا ننصر] (١) وأرانا نقتل ونهزم.
ولم يكن فيما وعدهم الله ألّا يقتل منهم أحد ، ولا يهزموا في بعض الأحايين. قال في آية أخرى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١٤٠] وإنّما وعدهم الله النصر في العاقبة وطوى عنهم القتل والهزيمة ، فذلك معنى قولهم : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ ، إِلَّا غُرُوراً) (٢). وتأويل
__________________
(١) زيادة من سح ، ورقة ١١٥.
(٢) أورد الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٣٦ في سبب نزول الآية ما يلي : «وقوله : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ ، إِلَّا غُرُوراً) وهذا قول معتّب بن قشير الأنصاريّ وحده. ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ معولا من سلمان في صخرة اشتدّت عليهم ، فضرب ثلاث ضربات ، مع كلّ واحدة كلمع البرق. فقال سلمان : والله يا رسول الله لقد رأيت فيهنّ عجبا. قال : فقال النبيّ عليهالسلام : لقد رأيت في الضربة الأولى أبيض المدائن ، وفي الثانية قصور اليمن ، وفي الثالثة بلاد فارس والروم. وليفتحنّ الله على أمّتي مبلغ مداهن. فقال معتب حين رأى الأحزاب : أيعدنا محمّد أن يفتح لنا فارس والروم وأحدنا لا يقدر أن يضرب الخلاء فرقا؟ (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ ، إِلَّا غُرُوراً).