الغرور ههنا هو الخديعة ، يقولون : خدعنا الله ، أي : أعلمنا بالعاقبة أنّه سينصرنا وطوى عنّا ما قبل ذلك ممّا يصيبنا من الشدائد والقتل والهزيمة. والغرور عند العرب هو الخديعة. قالوا : خدعنا الله ، وقد وصفوا الله بالخديعة لهم ، ولعمري قد خدعهم ، وهو قوله : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢]. وتفسير مخادعة الله إيّاهم في سورة الحديد. وسنفسّره إن شاء الله.
قوله عزوجل : (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) : أي من المنافقين (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) : يقوله المنافقون بعضهم لبعض.
قال الكلبيّ : لّما رأى المنافقون الأحزاب جبنوا ، وقال بعضهم لبعض : لا مقام لكم مع هؤلاء ، فارجعوا إلى قومكم ، يعنون المشركين ، فاستأمنوهم.
قال : (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) : أي خالية نخاف عليها السّرق ، في تفسير الكلبيّ ، وفي تفسير الحسن : ضائعة ، وهو واحد (١). يقولون : إن خلّيناها ضاعت.
قال الله : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) يقول : (إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) (١٣).
قال : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها) : أي [لو دخل عليهم أبو سفيان ومن معه] (٢) من أقطارها ، أي : من نواحيها ، يعني المدينة. (ثُمَّ سُئِلُوا) : أي طلبت منهم (الْفِتْنَةَ) : أي الشرك (لَآتَوْها) : أي لجاءوها. رجع [الضمير] (٣) إلى الفتنة ، وهي الشرك على تفسير من قرأها خفيفة ؛ ومن قرأها مثقّلة ممدودة (لَآتَوْها) أي : لأعطوها ، يعني الفتنة ، وهي الشرك ، لأعطوها إيّاهم.
(وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) (١٤). وهذه الآية تقضي بين المختلفين ، تنفي عن المنافقين
__________________
(١) قال الفرّاء في المعاني : «... والعرب تقول : قد أعور منزلك إذا بدت منه عورة ، وأعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب ... وإنّما أرادوا بقولهم : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) أي : ممكنة للسراق لخلوتها من الرجال ، فأكذبهم الله. فقال : ليست بعورة».
(٢) زيادة من سح ، ورقة ١١٥ ، ومن ز ورقة ٢٦٩.
(٣) زيادة لا بد منها للإيضاح.