الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (٢٩) : يعني الجنّة.
ذكر مسروق عن عائشة قالت : خيّرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاخترناه ، فلم يكن ذلك طلاقا (١). وقال بعض المفسّرين : إنّما خيّرهنّ بين الدنيا والآخرة ولم يخيّرهن الطلاق.
وكان عليّ بن أبي طالب يجعل الخيار إذا اختارت المرأة نفسها إذا خيّرها الرجل تطليقة بائنة. وقال بعضهم : أحسبه قال ذلك من هذه الآية في قوله : (أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً). وقال في هذه السورة بعد هذا الموضع : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) (٤٩) [الأحزاب : ٤٩]. فإذا طلّقها قبل أن يدخل بها تطليقة فإنّها تبين منه بها ، وهي أملك بنفسها ، وهو خاطب ، وإن تزوّجها كانت عنده على تطليقتين.
وقال في سورة البقرة : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة : ٢٣١] ، وهذا عند انقضاء العدّة قبل أن تنقضي ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة إذا كانت ممّن تحيض ، فإن كانت ممّن لا تحيض وليست بحامل فما لم تنقض ثلاثة أشهر ، وإن كانت حاملا فما لم تضع حملها ، فإن كان في بطنها اثنان أو ثلاثة فما لم تضع الآخر ، فهو يراجعها قبل ذلك إن شاء. فإن انقضت العدّة ولم يراجعها فهي تطليقة بائنة. قال : (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة : ٢٣١]. والتسريح في كتاب الله واحدة بائنة. وكان زيد بن ثابت يقول : إن اختارت نفسها فثلاث.
وكان ابن عمر وعبد الله بن مسعود يقولان : واحدة ، وهو أحقّ بها. فإن اختارته فلا شيء لها ؛ فكأنّهما يقولان : إنّما الخيار في طلاق السنّة على الواحدة ، ولا ينبغي أن يطلّق ثلاثا ثلاثا جميعا ، فإنّما خيّرها على وجه ما ينبغي أن يطلّقها. وأمّا إذا قال : أمرك بيدك ، ففي قولهما : إنّها إذا طلّقت نفسها ثلاثا فهي واحدة على هذا الكلام الأوّل.
وكان عليّ ورجال معه من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقولون : القول ما قالت. غير أنّ ابن عمر قال : إلّا أن يقول : إنّما ملكتها في واحدة ، فيحلف على ذلك ، ويكون قضاؤها في واحدة. وبه
__________________
(١) كذا في ع وب ، وفي سح : «فلم يعدّه طلاقا». وقد أخرج هذا الحديث البخاريّ في كتاب التفسير ، سورة الأحزاب باب (قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها). من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة. انظر ابن حجر ، فتح الباري ، ج ٤ ص ٥١٩ ـ ٥٢٣.