وقال مجاهد : سوّى خلق كلّ دابّة ثمّ هداها لما يصلحها وعلّمها إيّاه. وقال الكلبي : اعطاه شكلة من نحوة. أعطى الرجل المرأة ، والجمل الناقة ، والذكر والأنثى ، ثم هدى ، أي عرّفه كيف يأتيها. ذكروا عن الحسن أنّه قرأ : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل : ٨٨] ثمّ قال : ألم تر إلى كلّ دابّة كيف تتّقي عن نفسها؟.
قوله عزوجل : (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى). (٥١) إنّ موسى دعا فرعون إلى الإيمان بالبعث فقال له فرعون : فما بال القرون الأولى قد هلكت فلم تبعث؟.
(قالَ) موسى : (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) (٥٢) : أي لا يضلّه فيذهب ، ولا ينسى ما فيه. وقال بعضهم : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) أي : أعمال القرون الأولى (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي) ذلك الكتاب (ولا ينسى) أي علم أعمالها وآجالها. ذكروا أنّ فرعون قال : يا هامان ، إنّ موسى يعرض عليّ أنّ لي ملكي في حياتي ، ولي الجنّة إذا متّ. فقال له هامان : بينما أنت إله تعبد إذ صرت عبدا يعبد!. فردّه عن رأيه.
قوله عزوجل : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) : وهو مثل قوله تعالى : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) (١٩) [نوح : ١٩] وفراشا. قوله : (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً :) أي وجعل لكم فيها طرقا.
(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) (٥٣) : أي مختلفة في لونه وطعمه. وكلّ ما ينبت في الأرض فالواحد منه زوج.
قال : فالذي ينبت هذه الأزواج الشتّى قادر على أن يبعثكم بعد الموت.
قوله تعالى : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) : أي من ذلك النبات (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) (٥٤) : أي لأولي العقول ، في تفسير الحسن. وقال بعضهم : لأولي الورع (١).
قوله : (مِنْها) : أي من الأرض (خَلَقْناكُمْ) : يعني خلق آدم (وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها
__________________
(١) كذا في ب وع ، وفي سع ورقة ٢٧ و. والقول لقتادة. وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٢٠ مايلي. (لِأُولِي النُّهى) مجازه لذوي الحجى. واحدتها نهية ، أي أحلام وعقول ، وانتهي إلى عقول أمرهم ونهيهم. ومجاز قولهم : لذي حجى أي لذي عقل ولبّ».