ثمّ قال : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) : وليس هي إلّا موتة واحدة ، التي كانت في الدنيا. كقوله : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) (٥٠) [النجم : ٥٠] أي : لم تكن عاد قبلها. (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (٥٩) : قاله على الاستفهام ، وهذا الاستفهام على تقرير ، أي : قد أمن ذلك.
ثمّ قال : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦٠) : أي النجاة العظيمة من النار إلى الجنّة.
قال الله عزوجل : (لِمِثْلِ هذا) : [يعني ما وصف ممّا فيه أهل الجنّة] (١) (فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (٦١).
ثمّ قال : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) (٦٢) : أي إنّه خير نزلا من شجرة الزقّوم. (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) (٦٣) : أي للمشركين.
وكلّ ما يذكر في السور المكّيّة من ظلم أو جرم أو فسق أو ضلال فهو فسق الشرك وظلمه وجرمه وضلاله خاصّة. وما كان من السور المدنيّة فقد يذكر فيها ظلم النفاق وجرمه وفسقه وضلاله ، ويذكر فيها ظلم الشرك وجرمه وفسقه وضلاله (٢). ذكروا عن بعضهم قال : لّما نزلت هذه الآية دعا أبو جهل بتمر وزبد فقال تزقّموا ، فما نعلم الزقّوم إلّا هذا ؛ فأنزل الله : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ..). إلى قوله : (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ).
ذكروا عن السدّيّ قال : لّما نزلت : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) قالوا : ما نعرف هذه الشجرة ، فقال عبد الله بن الزبعريّ : لكنيّ والله أعرفها ، هي شجرة تكون بإفريقيّة. فلمّا نزل : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) قالوا : ما يشبه هذه التي يصف محمّد ما يقول ابن الزبعريّ.
قوله : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) (٦٤) : قال بعضهم : بلغنا أنّها في الباب السادس ، وأنّها لتحيا بلهيب النار كما يحيا شجركم ببرد الماء. قال : فلا بدّ لأهل النار من أن ينحدروا إليها ، يعني من كان فوقها ، فيأكلوا منها.
__________________
(١) زيادة من سح ، ورقة ١٩٦.
(٢) هذه الفقرة كلّها من زيادات الشيخ هود الهوّاريّ ، وهي غير موجودة في سح ولا في ز.