قال الله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) : أي من قبل أن يرجع إليهم موسى حين اتّخذوا العجل : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) : أي بالعجل (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ) : أي لا نزول (عاكِفِينَ) : أي نعبده (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) (٩١).
(قالَ) موسى لهارون لمّا رجع ورأى أنّهم اتّخذوا العجل : (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) وقد قال في آية أخرى : (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) [الأعراف : ١٥٠]. (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (٩٤) : أي ولم تنتظر أمري ، يعني الميعاد برجوعه ، ولقد تركتهم وجئت ، وقد استخلفتك فيهم. يقول : لو اتّبعتك وتركتهم لخشيت أن تقول لي هذا القول. ثمّ أقبل موسى على السامريّ ف (قالَ) له (فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ) (٩٥) : أي ما حاجتك؟ (١) (قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ:) يعني بني إسرائيل (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها) : أي ألقيتها في العجل ، أي حين صاغه ، وكان صائغا. فخار العجل ، وهي في قراءة ابن مسعود : (من أثر الفرس) ؛ كان أخذها من أثر فرس جبريل ، فصرّها في عمامته يوم قطع البحر فكانت معه.
ذكر ابن عبّاس أنّ هارون أتى على السامريّ وهو يصنع. فقال : ما تصنع؟ قال : أصنع ما يضرّ ولا ينفع (٢). فقال هارون : اللهمّ اعطه ما سألك على ما في نفسه. فلمّا صنعه قال : اللهمّ إنّي أسألك أن يخور ، فخار العجل ، وذلك لدعوة هارون (٣).
قوله عزوجل : (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) (٩٦) : أي وكذلك زيّنت لي نفسي ، أي وقع في نفسي إذا ألقيتها في العجل خار.
__________________
(١) كذا في المخطوطتين وع : «ما حاجتك» ، وفي سع ورقة ٢٨ و : «ما حجّتك؟» ، وهو أصحّ. وفي تفسير الطبريّ ، ج ١٦ ص ٢٠٤ : «ما أمرك؟» «وما شأنك؟» «وما لك؟». وهي أنسب.
(٢) كذا في ب وفي سع ، وفي تفسير مجاهد : «ما يضر ولا ينفع». وفي ع : «ما لا يضرّ ولا ينفع». وفي تفسير القرطبي : «ما ينفع ولا يضرّ».
(٣) في تفسير مجاهد جاءت العبارة أكثر وضوحا : «فلمّا قفّى هارون قال السامريّ : اللهمّ إنّي أسألك أن يخور ، فخار ، فكان إذا خار سجدوا ، وإذا خار رفعوا رؤوسهم ، وإنّما خار لدعوة هارون».