قوله : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) : تعالى من باب العلوّ ، أي : ارتفع الله الملك الحقّ ، والحقّ اسم من أسماء الله. (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) : أي بيانه. وقال الحسن : (وَحْيُهُ) أي فرائضه وحدوده وأحكامه ، وحلاله وحرامه. وكان النبيّ عليهالسلام إذا نزل عليه الوحي جعل يقرأه ويذيب فيه نفسه مخافة أن ينساه. فأنزل الله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (١٧) [القيامة : ١٦ ـ ١٧] أي : نحن نحفظه عليك فلا تنسى. قال الله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللهُ) [الأعلى : ٦ ـ ٧] وهو قوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) [البقرة : ١٠٦] أي ينسيها نبيّه عليهالسلام ، قال تعالى : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (١٨) [القيامة : ١٨]. أي فرائضه وحدوده والعمل به. وقال مجاهد : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) أي : لا تتله على أحد حتّى نتمّه لك. قال عزوجل : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (١١٤).
قوله عزوجل : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ) : يعني ما أمر به ألّا يأكل من الشجرة. (فَنَسِيَ) : يعني : فترك العهد ، يقول : فترك ما أمر به. (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (١١٥) : أي صبرا (١).
قال عزوجل : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) (١١٦) أن يسجد (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) (١١٧) : أي إنّكما إن عصيتما الله أخرجكما من الجنّة ، فتشقى ، أي في الدنيا ، بالكدح فيها. وقال بعضهم : (فَتَشْقى) أي تأكل من عمل يديك وعرق جبينك.
(إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها) : أي في الجنّة (وَلا تَعْرى) (١١٨) : كانا كسيا الظفر
(وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها) أي لا تعطش فيها (وَلا تَضْحى) (١١٩) : أي لا تصيبك الشمس (٢) ، أي : ما لم تعص.
__________________
(١) هذا وجه من وجوه تأويل العزم ، وهو الصبر. وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ١٩٢ : «صريمة ولا حزما فيما فعل». وقال الطبريّ في تفسيره ، ج ١٦ ص ٢٢٢ : «يكون تأويله : ولم نجد له عزم قلب على الوفاء لله بعهده ، ولا على حفظ ما عهد إليه».
(٢) قال ابن أبي زمنين في ز ورقة ٢١٠ : «يقال ضحي يضحى إذا برز إلى الضحاء ، وهو حرّ الشمس». وفي اللسان : «ضحا الرجل وضحي يضحى ضحوا وضحيا. وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ١٩٤ : (لا تَضْحى) : لا تصيبك شمس مؤذية».