وَلا يَشْقى) : (١٢٣) أي في الآخرة (١).
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) : أي فلم يتّبع هداي ولم يؤمن (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً :) أي عذاب القبر (٢). وذكروا عن ابن مسعود قال : (مَعِيشَةً ضَنْكاً) : عذاب القبر. قال : يلتئم على صاحبه حتّى تختلف أضلاعه (٣). ذكروا أنّ الرجل المؤمن إذا وضع في قبره ، فانصرف عنه الناس ، أتاه صاحب القبر الذي وكّل به ، فأتاه من قبل جانبه الأيمن ، فقالت له الزكاة التي كان يعطي : لا تفزعه من قبلي اليوم ، ثمّ أتاه من قبل رأسه فقال له القرآن الذي كان يقرأ : لا تفزعه من قبلي اليوم. ثمّ جاءه من قبل رجليه فقالت الصلاة التي كان يصلّي : لا تفزعه من قبلي اليوم. ثمّ جاءه من جانبه الأيسر ، فأيقظه إيقاظك الرجل الذي لا تحبّ أن تفزعه فقال له : من ربّك؟ فقال : الله وحده لا شريك له. ثمّ قال له : من نبيّك؟ قال : محمّد صلىاللهعليهوسلم. قال : فما دينك؟ قال : الإسلام ، [قال :] وعلى ذلك حييت ، وعلى ذلك متّ؟ قال : نعم ، وعلى ذلك تبعث؟ قال : نعم. قال : صدقت. قال : فيفتح له في جنب قبره ، فيريه منزله من الجنّة وما أعدّ الله له من الكرامات ، فيشرق وجهه ، وتفرح نفسه ، ثمّ يقال له : نم نوم العروس الذي لا يوقظه إلّا أعزّ أهله عليه. ويؤتى بالكافر فلا يجد شيئا يحول دونه : لا صلاة ولا قراءة ولا زكاة ، فيوقظه إيقاظك الرجل الذي تحبّ أن تفزعه ، فيقول له : من ربّك؟ فيقول : أنت. فيقول : من نبيّك؟ فيقول : أنت. فيقول : وما كان دينك؟ فيقول : أنت. فيقول : صدقت ، لو كان لك إله تعبده لا هتديت له اليوم ، فيفتح له في جنب قبره فيريه منزله من النار وما أعدّ الله له من العذاب ، ويضربه ضربة يتناصل منها كلّ عظم من مفصله ، فيسمعه الخلق إلّا الثقلين : الإنس والجنّ ، ثمّ يقذف به في مقلى ينفخه نافخان لا يميل إلى هذا إلّا ردّه إلى هذا ، ولا
__________________
(١) روى مجاهد في تفسيره ص ٤٠٤ أثرا عن ابن عبّاس في قوله عزوجل : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) «يقول : من قرأ القرآن واتّبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه سوء الحساب ، وذلك بأنّ الله عزوجل يقول : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى). فاللهمّ اهدنا صراطك المستقيم ، وانفعنا بكتابك الكريم ، وقنا سوء حسابك. آمين.
(٢) قال أبو عبيدة في المجاز : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) مجازه معيشة ضيّقة. والضنك توصف به الأنثى والمذكّر بغير الهاء ، وكلّ عيش أو منزل أو مكان ضيّق فهو ضنك».
(٣) روي هذا الأثر في سع بسند عن أبي سعيد الخدريّ. ورواه مجاهد في تفسيره ، ص ٤٠٤ حديثا بسند صحيح يرفعه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حديث أبي هريرة ، ولفظه : «المعيشة الضنك عذاب القبر». وانظر ما سلف ج ٢ ، تفسير الآية ١٠١ من سورة التوبة.