يميل إلى هذا إلّا ردّه إلى هذا حتّى ينفخ في الصور النفخة الأولى فيقال له : اخمد ؛ فيخمد حتّى ينفخ في الصور النفخة الثانية ؛ فيبعث مع الخلق ، فيقضى له كما يقضى لهم ، لا راحة له إلّا ما بين النفختين.
قوله عزوجل : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (١٢٤) : أي عن حجّته. كقوله : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) [المؤمنون : ١١٧] أي لا حجّة لديه.
(قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى) : أي عن حجّتي (وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) (١٢٥) : أي عالما بي حتّى في الدنيا ، وإنّما علمه ذلك عند نفسه في الدنيا كان يحاجّ في الدنيا [جاحدا لما جاء من الله] (١). وقال بعضهم : أعمى عن الحقّ ، أي : في الدنيا. قال الله عزوجل : (قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا) : أي لأنّه أتتك آياتنا في الدنيا (فَنَسِيتَها) : أي فتركتها ولم تؤمن بها (وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) : (١٢٦) أي تترك في النار. وقال بعضهم : نسي من الخير ، أي ترك من الخير ولم ينس من الشرّ ، أي ولم يترك من الشرّ.
قال عزوجل : (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) : أي من أشرك ، أي أسرف على نفسه بالشرك (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ) : من عذاب الدنيا (وَأَبْقى) (١٢٧) : أي لا ينقطع أبدا.
قوله عزوجل : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) : قال الحسن : أي قد بيّنّا لهم ، مقرأه على النون (٢) ، كيف أهلكنا القرون الأولى ، يحذّرهم ويخوّفهم العذاب إن لم يؤمنوا. قال عزوجل : (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) : أي تمشي هذه الأمّة في مساكن من مضى. أي : يمشون عليها وإن لم تكن الديار قائمة ولكن المواضع ، كقوله عزوجل : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) (١٠٠) [هود : ١٠٠] أي منها قائم تراه ، ومنها حصيد لا تراه.
قال عزوجل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) (١٢٨) : أي لأهل العقول ، وبعضهم يقول : لأهل الورع ، وهم المؤمنون.
__________________
(١) زيادة من ز ورقة ٢١٢.
(٢) جاء في سع ورقة ٣١ ظ : (أَفَلَمْ يَهْدِ) بالياء وكذلك جاءت في ب وسع ، وهي عندنا قراءة ورش عن نافع. وقرأ الحسن بالنون : (أفلم نهد).