(فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) : أي أن لن نعاقبه (١).
وبلغنا ـ والله أعلم ـ أنّ يونس دعا قومه زمانا إلى الله عزوجل ، فلمّا طال ذلك وأبوا أوحى الله إليه أنّ العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا. فلمّا دنا الوقت تنحّى عنهم. فلمّا كان قبل الوقت بيوم جاء فجعل يطوف بالمدينة وهو يبكي ويقول : يأتيكم العذاب غدا. فسمعه رجل منهم فانطلق إلى الملك ، فأخبره أنّه سمع يونس يبكي ويقول : يأتيكم العذاب غدا. فلمّا سمع الملك ذلك دعا قومه فأخبرهم بذلك وقال : إن كان هذا حقّا فسيأتيكم العذاب غدا ، فاجتمعوا حتّى ننظر في أمرنا ، فاجتمعوا ، فخرجوا من المدينة من الغد ، فنظروا فإذا بظلمة سوداء وريح شديدة قد أقبلت نحوهم ، فعلموا أنّه الحقّ. ففرّقوا بين الصبيان وبين أمّهاتهم ، وبين البهائم وبين أمّهاتها ، ولبسوا الشعر ، وجعلوا التراب والرماد على رؤوسهم تواضعا لله ، وتضرّعوا إليه وبكوا وآمنوا. فصرف الله عنهم العذاب. فاشترط بعضهم على بعض ألّا يكذب أحد كذبة إلّا قطعوا لسانه.
فجاء يونس من الغد ، فنظر فإذا المدينة على حالها ، وإذا الناس داخلون وخارجون ، فقال : سبحان الله ، أمرني ربّي أن أخبر قومي أنّ العذاب يأتيهم فلم يأتهم ، فكيف ألقاهم؟. فانطلق حتّى انتهى إلى ساحل البحر ، فإذا سفينة في البحر ، فأشار إليها ، فأتوه فحملوه ، وهم لا يعرفونه. فانطلق إلى ناحية من السفينة فتقنّع فرقد. فما مضوا إلّا قليلا حتّى جاءتهم ريح فكادت السفينة أن تغرق. فاجتمع أهل السفينة فدعوا الله ، ثمّ قالوا : أيقظوا الرجل يدعو الله معنا ، ففعلوا. فدعا الله معهم ، فرفع الله عنهم تلك الريح. ثمّ انطلق إلى مكانه فرقد. فجاءت ريح ، فكادت السفينة أن تغرق ، فأيقظوه ، فدعوا الله ودعا معهم ، فرفع الله تبارك وتعالى عنهم الريح. فتفكّر العبد الصالح يونس فقال : هذا من أجل خطيئتي ، أو قال : من ذنبي ، أو كما قال. فقال لأهل السفينة : شدّوني وثاقا وألقوني في البحر ، فقالوا : ما كنّا لنفعل هذا بك وحالك حالك. ولكنّا نقترع ، فمن أصابته القرعة
__________________
ـ بعضهم : ذهب مغاضبا لربّه ، وهو ما ذهب إليه الحسن وسعيد بن جبير. أي : مغاضبا من أجل ربّه. واقرأ ما ذهب إليه ابن قتيبة في تأويل هذه المغاضبة في كتابه تأويل مشكل القرآن ، ص ٤٠٢ ـ ٤٠٨. وانظر كذلك تفسير الطبريّ ، ج ١٧ ص ٧٦ ـ ٧٨.
(١) وقيل في تفسيره أي : أن لن نضيّق عليه ، من باب قوله تعالى : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) أي : ضيّق عليه ، واقرأ في هذا الموضوع واختلاف المفسّرين في عصمة الأنبياء تنبيها مهمّا كتبه الشيخ محمّد جمال الدين القاسميّ في تفسيره محاسن التأويل ، ج ٧ ص ٢٨٤ ـ ٢٨٧. وانظر تفسير الطبريّ ، ج ١٧ ص ٧٨.