وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) : يعني بغير مخلّقة : السقط. وقال مجاهد : هما السقط جميعا ؛ مخلّق وغير مخلّق. (ونقرّ في الارحام ما نشآء ...) إلى التّمام. ذكروا عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله : إنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه نطفة أربعين يوما ، ثمّ يكون علقة أربعين يوما ، ثمّ يكون مضغة أربعين يوما ، ثمّ يؤمر الملك ، أو قال : يأتي الملك ، فيؤمر أن يكتب أربعا : رزقه وعمله وأثره (١) ، وشقيّا أو سعيدا. ذكروا عن أبي ذرّ أنّ المنيّ إذا مكث في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الربّ تبارك وتعالى في راحته ، فيقول : يا ربّ ، عبدك ، أذكر أم أنثى؟ ، فيقضي الله فيه ما هو قاض ، أشقيّ أم سعيد؟ ، فيكتب ما هو لاق بين عينيه ، ثمّ قرأ أبو ذرّ من فاتحة سورة التغابن خمس آيات.
قوله : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) : أي بدوّ خلقكم (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) : أي أرحام النساء (ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : أي الوقت الذي يولد فيه (٢) (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) : يعني الاحتلام (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) : يعني الهرم (٣). وفيها إضمار ، أي : يتوفّى من قبل أن يردّ إلى أرذل العمر ، ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) : أي يصير بمنزلة الصبيّ الذي لا يعقل.
قوله : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) : أي غبراء متهشّمة ميّتة يابسة. (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) : وفيها تقديم ، أي : ربت بالنبات وانتفخت ، واهتزّت بالنبات : إذا أنبتت.
قال : (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (٥) : أي حسن. وكلّ ما ينبت في الأرض فالواحد منه زوج. وحسن ذلك النبات أنّها تنبت ألوانا من صفرة وحمرة وخضرة وغير ذلك من الألوان.
قال : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) : والحقّ اسم من أسماء الله. (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٦) : أي أنّ الذي أخرج من هذه الأرض الهامدة الميّتة ما أخرج من النبات قادر على أن يحيي الموتى.
__________________
(١) كذا في ب وع وفي سع وز : «وأثره» وفي صحيح البخاري «وأجله». وانظر تخريج الحديث فيما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية ١٠٥ من سورة هود.
(٢) كذا في سع ، وفي ز : «إلى منتهى الولادة» ، وفي ب وع : «أي الوقت الذي يوقّته».
(٣) كذا في المخطوطات. وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٤٥ : (أَرْذَلِ الْعُمُرِ) مجازه أن يذهب العقل ويخرف». وهذا أقرب إلى الصواب وأحسن تأويلا.