(وَاعْبُدُوا اللهَ) خصّصوه بالتوجه إليه ، والفناء فيه ، الذي هو غاية التذلّل (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) بإثبات وجوده (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وأحسنوا بالروح والنفس اللذين تولّد القلب منهما وهو حقيقتكم ، لستم إلّا إيّاه ، ووفوا حقوقهما وراعوهما حقّ المراعاة بالاستفاضة من الأول ، والتوجه إليه بالتسليم والتعظيم وتزكية الثانية ، وحفظها من أدناس محبة الدنيا ، والتذلّل بالحرص والشره وأمثالهما ، ومن شرّ الشيطان وعداوته إياها وأعينوها بالرأفة والحمية بتوفير حقوقها عليها ، ومنع الحظوظ عنها (وَبِذِي الْقُرْبى) الذي يناسبكم في الحقيقة بحسب القرب في الاستعداد الأصليّ والمشاكلة الروحانية (وَالْيَتامى) المستعدّين المنقطعين عن نور الروح القدسيّ الذي هو الأب الحقيقي ، بالاحتجاب عنه (وَالْمَساكِينِ) العاملين الذين لا مال لهم ، أي : لا حظ من العلوم والمعارف والحقائق ، فسكنوا ولم يقدروا على المسير وهم السعداء الصالحون الذين مآلهم إلى جنة الأفعال.
(وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) الذي هو في مقام من مقامات السلوك ، قريب من مقامك (وَالْجارِ الْجُنُبِ) الذي هو في مقامه بعيد من مقامك ، (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) والرفيق الذي هو في عين مقامكم ويرافقكم في سيركم (وَابْنِ السَّبِيلِ) أي : السالك في طريق الحقّ ، الداخل في الغربة عن مأوى النفس الذي لم يصل إلى مقام من مقامات أهل الله (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من أهل إرادتكم ومحبتكم ، الذين هم عبيدكم كلّا بما يناسبه ويليق به من أنواع الإحسان ، وإن شئت أوّلت ذي القربى بما يتصل به من الملكوت العالية من المجرّدات واليتامى بالقوى الروحانية كما مرّ. والمساكين بالقوى النفسانية من الحواس الظاهرة وغيرها.
والجار ذي القربى بالعقل ، والجار الجنب بالوهم ، والصاحب بالجنب بالشوق أو الإرادة ، وابن السبيل بالفكر ، والمماليك بالملكات المكتسبة التي هي مصادر الأفعال الجميلة.
(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً) يسعى في السلوك بنفسه لا بالله ، معجبا بأعماله (فَخُوراً) مبتهجا بأحواله ومقاماته وكمالاته ، محتجبا برؤيتها ورؤية اتصافه بها (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) أولا بإمساك كمالاتهم وعلومهم في مكامن قرائحهم ومطامير غرائزهم ، لا يظهرونها بالعمل بها في وقتها ثم بالامتناع عن توفير حقوق ذوي الحقوق عليهم ، لا يبذلون صفاتهم وذواتهم بالفناء في الله لمحبتهم لها ، ولا ينفقون أموال علومهم وأخلاقهم وكمالاتهم على ما ذكرنا من المستحقين. (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) يحملونهم على مثل حالهم (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من التوحيد والمعارف والأخلاق والحقائق في كتم الاستعداد وظلمة القوة كأنها معدومة (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) المحجوبين عن الحق (عَذاباً مُهِيناً) في ذلّ وجوههم وشين صفاتهم.