عنها بالمحو والفناء في الله ، ويتجه أن يكون الوليّ القلب ، والشفيع الروح ، أي : لم يصلوا إلى مقام القلب الذي هو وليّ النفس فينقذها من العذاب وينصرها من الحرمان ، ولا إلى مقام الروح فتشفع لهم بإمداد مدد القرب لها واستمدادها من الله وتتوسل بينهم وبين الله.
[٥٢ ـ ٥٣] (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣))
(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ) أي : لا تزجرهم به ، وهم أهل الوحدة الكاملون الواصلون ، فإن الإنذار كما لا ينجع في الذين قست قلوبهم لا ينفع في الذين طاشت قلوبهم في الله وتلاشت (رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) أي : يخصونه بالعبادة دائما بحضور القلب وشهود الروح وتوجه السرّ إليه ، لا يريدون بالعبادة إلا ذاته بالمحبة الأزلية لا يجعلون عبادتهم معللة بغرض من توقع ثواب جنة أو خوف عقاب أو نقمة ، ولا يريدونه بمحبة الصفات فتتغير إرادتهم باختلاف تجلياتها ولا يستحلون توسيط ذاته في مقصد أو مطلب بل شاهدوا فناء الوسائط والوسائل فيه ولم يبق في شهودهم شيء يقع نظرهم عليه حتى ذواتهم (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ) فيما يعملون من شيء ، أي : لا واسطة بينهم وبين ربّهم من ملك أو نبيّ فلست من دعوتهم إلى طاعة أو إلى جهاد أو إلى غير ذلك في شيء ، فحسابهم على الله إذ عملهم ليس إلا بالله وفي الله (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي : لا يخوضون في أمور دعوتك بنصر وإعانة للإسلام ولا بدفع وقمع للكفر لاشتغالهم بالله عما سواه ودوام حضورهم كما قال تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣)) (١) لا يعنيهم شأن من أمرك ونبوّتك (فَتَطْرُدَهُمْ) عما هم عليه من دوام الحضور بإنهاضهم لشغل ديني أو مصلحة أو تشوّش وقتهم وجمعيتهم (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ* وَكَذلِكَ فَتَنَّا) أي : مثل ذلك الفتن والابتلاء العظيم فتنّا (بَعْضَهُمْ) وهم المحجوبون بالبعض ، فإن المحجوبين لما لم يروا منهم إلا صورتهم وسوء حالهم في الظاهر وفقرهم ومسكنتهم ، ولم يروا قدرهم ومرتبتهم وحسن حالهم في الباطن ، استحقروهم وازدرتهم أعينهم بالنسبة إلى ما هم فيه من المال والجاه والتنعم وخفض العيش فقالوا فيهم : (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) بالهداية استخفافا وهم والله الأطيبون عيشا ، الأرفعون حالا ومنزلا ، الأعظمون قدرا ورتبة عند الله وعند من يعرفهم كما قال نوح عليهالسلام : (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) (٢) بل الخير كل الخير ما آتاهم الله
__________________
(١) سورة المعارج ، الآية : ٢٣.
(٢) سورة هود ، الآية : ٣١.