(أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) الذين يشكرونه بالحقيقة باستعمال نعمة وجودهم وصفاتهم وجوارحهم وما يقوم به من أرزاقهم ومعايشهم في طاعة الله فشكروه بإزاء النعمة الخارجية بالعبادة وتصوّرها من المنعم وصرفها في مراضي الله ، وبإزاء نعمة الجوارح باستعمالها في عبادته وسلوك طريقه وتحصيل معرفته ومعرفة صفاته ، وبإزاء نعمة الصفات بمحوها في الله والاعتراف بالعجز عن معرفته وشكره وعبادته ، وبإزاء نعمة الوجود بالفناء في عين الشهود حتى شكر الله سعيهم بالوجود الموهوب الحقاني ، وعلمهم أنه الشاكر المشكور لنفسه بنفسه ، لا يقدر على شكره أحد إلا هو ، فقالوا : سبحانك ما عرفناك حق معرفتك ، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ، وذلك هو علمه بشكرهم وجزاؤه منه.
[٥٤] (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤))
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) بمحو صفاتهم (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) لتنزهكم عن عيوب صفاتكم وتجرّدكم عن ملابسها (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ألزم ذاته إبدال صفاتكم بصفاته رحمة لكم ، لأن في الله خلفا عن كل ما فات (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) أي : ظهر عليه في تلوينه صفة من صفاته بغيبة وغفلة ، ثم رجع عن تلوينه من بعد ظهور تلك الصفة وفاء إلى الحضور فعرفها وقمعها بالإنابة إلى الله والتضرّع بين يديه والرياضة (فَأَنَّهُ غَفُورٌ) يسترها عنه (رَحِيمٌ) يرحمه بهبة التمكين ونعمة الاستقامة.
[٥٥] (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧))
(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : مثل ذلك التبيين الذي بيّنا لهؤلاء المؤمنين نبين لك صفاتنا (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ) المحجوبين بصفاتهم الذين يفعلون ما يفعلون بها وذلك إجرامهم.
[٥٨] (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨))
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ) ما سوى الله من الذين تعبدون بهواكم من مال أو نفس أو شهوة أو لذة بدنية أو غير ذلك ، فلا (أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) بعبادتها فأضل إذا باحتجابي بها فلا أهتدي إلى التوحيد ومعنى الماضي أنه تحقق ضلالي على هذا التقدير وما أنا من الهدى في شيء.
[٥٩] (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩))