(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) إلى آخره ، اعلم أن الغيب مراتب أوّلها غيب الغيوب وهو علم الله المسمّى بالعناية الأولى ، ثم غيب عالم الأرواح وهو انتقاش صورة كل ما وجد وسيوجد من الأزل والأبد في العالم الأول العقلي الذي هو روح العالم المسمّى بأمّ الكتاب على وجه كلي ، وهو القضاء السابق. ثم غيب عالم القلوب وهو ذلك الانتقاش بعينه مفصلا تفصيلا علميا كليا وجزئيا في عالم النفس الكلية التي هي قلب العالم المسمى باللوح المحفوظ ثم غيب عالم الخيال وهو انتقاش الكائنات بأسرها في النفوس الجزئية الفلكية المنطبعة في أجرامها معينة مشخصة مقارنة لأوقاتها على ما يقع بعينه ، وذلك العالم هو المعبر عنه في الشرع بالسماء الدنيا إذ هو أقرب مراتب الغيوب إلى عالم الشهادة ولوح القدر الإلهي الذي هو تفصيل قضائه وعلم الله ، وهو العناية الأولى عبارة عن إحاطته بالكل بحضور ذاته لكل هذه العوالم التي هي عين ذاته فيعلمها مع جميع تلك الصور التي فيها بأعيانها لا بصورة زائدة فهي عين علمها ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض فالمفاتح إن كان جمع مفتح بفتح الميم الذي هو المخزن فمعناه عنده هذه الخزائن المشتملة على جميع الغيوب لحضور ذاته لها (لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) وإن كان جمع مفتح بكسر الميم بمعنى المفتاح ، فمعناه إما ذلك المعنى بعينه يعني أبوابها مغلقة ومفاتيحها بيده لا يطلع على ما فيها أحد غيره. وإما أن أسباب إظهارها وإخراجها من مكانها إلى عالم الشهادة حتى يطلع عليه الخلق بيد قدرته وتصرّفه محفوظة عنده لا يقدر غيره على انتزاعها منه حتى يطلع على ما فيها وهي أسماؤه تعالى ، والكتاب المبين هو السماء الدنيا لتعين هذه الجزئيات فيها مع عددها وتشخصها.
[٦٠] (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠))
(ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) أي : فيما جرحتم من صواب أعمالكم ومكاسبكم للجزاء (لِيُقْضى أَجَلٌ) عينه للبعث والإحياء. ثم إلى ربكم ترجعون في عين الجمع المطلق فينبئكم بإظهار صور أعمالكم عليكم وجزائكم بها.
[٦١ ـ ٦٢] (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢))
(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) بتصرّفه فيهم كما شاء وإفنائهم في عين الجمع المطلق إذ لا شيء إلا وهو مقهور فيه (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) هي قواهم التي ينطبع فيها كل حال بحسب الرسوخ وعدمه ، فيظهر عليهم عند انسلاخهم عن البدن فيتمثل بصور تناسبها إما روحانية