لطيفة توصل إليها الروح والثواب ، وإما جسمانية مظلمة توصل إليها العذاب بل تظهر تلك الصور على جوارحها وأعضائها فتتشكل بهيئاتها وتنطق عليهم بأعمالها بلسان الحال. والقوى السماوية التي أشرنا إليها وإلى انتقاش جميع الحوادث الجزئية فيها فتظهر عليهم بأسرها عند مفارقتها عن بدنها ، لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها عليهم وهي بأعيانها الرسل التي توفتهم عند الموت. والردّ أيضا يكون في عين الجمع المطلق فإنه للجزاء (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) لوقوع حسابهم في آن وهو : توفيهم.
[٦٣ ـ ٦٤] (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤))
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ) التي هي حجب الغواشي البدنية والصفات النفسانية (وَ) ظلمات (الْبَحْرِ) التي هي حجب صفات القلوب وفكر العقول (تَدْعُونَهُ) إلى كشفها (تَضَرُّعاً) في نفوسكم (وَخُفْيَةً) في أسراركم (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ) الحجب (لَنَكُونَنَّ مِنَ) الذين شكروا نعمة الإنجاء بالاستقامة والتمكين (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها) بكشف تلك الحجب بأنوار تجليات صفاته (وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) أي : ما بقي في استعدادكم بالقوة من كمالاتكم بإبرازها حتى لو كانت بقية من بقايا وجودكم كربا لكم لاستعدادكم للفناء والخلاص منها بالكلية لقوة الاستعداد وكمال الشوق لأنجاكم منها (ثُمَّ أَنْتُمْ) بعد علمكم بهذا المقام الشريف وما ادّخر لكم (تُشْرِكُونَ) به أنفسكم وأهواءكم فتعبدونها.
[٦٥ ـ ٦٧] (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧))
(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) باحتجابكم بالمعقولات والحجب الروحانيات (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) باحتجابكم بالحجب الطبيعية (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) أو يخلطكم فرقا متفرقة كل فرقة على دين قوة من قواكم هي أمامهم تقابل الفرقة الأخرى فيقع بينكم الهرج والمرج والقتال ، أو فرقا مختلفة العقائد كل فرقة على دين دجال أو شيطان إنسيّ أو جنيّ هو إمامهم ، أو يجعل أنفسكم شيعا باستيلاء كل قوة من قواكم على القلب بطلب لذتها المخصوصة بها ، إحداها تجذبه إلى غضب والأخرى إلى شهوة أو طمع أو غير ذلك ، فيغرق القلب عاجزا فيما بينهم ، أسيرا في قبضتهم ، كلما همّ بتحصيل لذة هذه منعته الأخرى ، ويقع بينهم الهرج والمرج في وجودكم لعدم ارتياضهم بسياسة رئيس واحد قاهر يقهرهم ويسوسهم بأمر وحدانيّ يقيم كلّا منهم في مقامها ، مطيعة منقادة فتستقيم مملكة