لكن ترتكب بالميل الطبيعي أفعالا مثل أفعالهم فتحتجب بسببها فإنها تتأثر به وتتعظ فتنتهي ، فأنذرها حتى لا تصير مثلهم فتحبس بعملها عن الهداية وحينئذ لا يقبل منها فدية إذ حجبت بكسبها. والشراب الحميم هو شدّة شوقها إلى الكمال لقوة استعدادها. والعذاب الأليم حرمانها عنه باحتجابها بأعمالها وهيآتها.
[٧١ ـ ٧٢] (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢))
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ) أي : أنعبد ما لا قدرة ولا وجود له حقيقة فينفع أو يضرّ (وَنُرَدُّ) إلى الشرك (عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ) الهداية الحقيقية إلى التوحيد (كَالَّذِي) ذهبت به شياطين الوهم والتخيل في مهمة أرض النفس (حَيْرانَ) لا يدري أين يمشي وما يصنع بلا طريق ولا مقصد (لَهُ أَصْحابٌ) رفقاء من الفكر والعاقلة العملية والنظرية (يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى) يقولون (ائْتِنا) فإن هذا هو الطريق ولا يسمع لارتتاق سمع قلبه بالهوى (قُلْ إِنَ) هداية الله التي هي طريق التوحيد (هُوَ الْهُدى) لا غير (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) لننقاد لصفة الربوبية بمحو صفاتنا في المتجلي بها وإسلامها إليه ونقيم صلاة الحضور القلبي ونتقيه ونجعله وقاية لنا في الصفات ليكون هو الموصوف به ، فنتخلص به عن وجودنا فيكون هو المحشور إليه بذاته عند فناءنا فيه.
[٧٣] (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣))
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ) سموات الأرواح وأرض الجسم قائما بالعدل الذي هو مقتضى ذاته (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ) أي : وقت السرمدي الذي هو أزل آزال ظهور الأشياء في أزلية ذاته التي هي أزلية الأزل مطلقا وهو حين تعلق إرادته القديمة بالظهور في تعينات ذاته المعبر عنه بقوله : كن ، وهو بعد أزلية الآزال بالاعتبار العقلي لا أنها تتأخر عن تلك الأزلية بالزمان بل بالترتيب العقلي الاعتباري في ذاته تعالى ، فإن التعينات تتأخر عن مطلق الهوية المحضة عقلا وحقيقة وظهورها بالإرادة المسماة بقوله : (كُنْ فَيَكُونُ) بلا فصل وتأخير يعبر عنه ب : (يكون) ، لأنها لم تكن في الأزل فكانت (قَوْلُهُ الْحَقُ) أي : في ذلك الوقت سيما سرمديّ إرادته التي اقتضت وجود المبدعات على ما هي عليه ثابتة في حالها متغيرة ، اقتضت ما اقتضت على أحسن ما يكون من النظام والترتيب وأعدل ما يكون من الهيئة والتركيب.