(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) وقت نفخه في الصور أي : إحياء صور المكوّنات بإفاضة أرواحها عليك لا ملك إلا له فإنها بنفسها ميتة لا وجود لها ولا حياة فضلا عن المالكية (عالِمُ الْغَيْبِ) أي : حقائق عالم الأرواح التي هي ملكوته (وَالشَّهادَةِ) أي : صور عالم الأجسام التي هي ملكه (وَهُوَ الْحَكِيمُ) الذي أوجدها ورتبها بحكمته فأفاض على كل صورة ما يليق بها من الأرواح (الْخَبِيرُ) الذي علم أسرارها وعلانيتها وخواصها وأفعالها ، تلخيصه : هو مبدع الأرواح والجسم المطلق بإرادته القديمة الأزلية الثابتة التي لا تغير فيها أبدا إبداعا على وجه العدل والحكمة الذي اقتضاه ذاته ومكوّن الكائنات بإنشائها في عالم الملك الذي هو مالكه لا غير ، كيف شاء عالما بما يجب أن يكون عليها حكيما في إتقانها ونظامها وترتيبها ، خبيرا بما يحدث فيها من الأحوال الحادثة على حسب إرادته بذاته لا شريك له في ذلك كله.
[٧٤ ـ ٧٥] (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٧٤) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥))
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ) أي : اذكر وقت سلوك إبراهيم طريق التوحيد عند تبصيرنا وهدايتنا إياه واطلاعه على شرك قومه واحتجابهم بظهور عالم الملك عن حقائق عالم الملكوت وربوبيته تعالى للأشياء بأسمائه معتقدين لتأثير الأجرام والأكوان ، ذاهلين بها عن المكوّن فعيّرهم بذلك وقال لمقدّمهم وأكبرهم أبيه : (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) وتعتقد تأثيرها (إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ظاهر يعرف بالحسّ ، ومثل ذلك التبصير والتعريف العام الكامل نعرف إبراهيم ونريه (مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : القوى الروحانية التي يدبر الله بها أمر السموات والأرض ، فإنّ لكل شيء قوة ملكوتية تحفظه وتدبر أمره بإذن الله (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) فعلنا ذلك أي : بصّرناه ليعلم ويعرف أن لا تأثير إلا لله ، يدبّر بأسمائه التي هي ذاته مع كل واحدة من الصفات ، فتتكثر الأفعال من وراء حجب الأكوان. فالمحجوب بالكون واقف مع الحس يرى تلك الأفعال من الأكوان والمجاوز عنه الذي خرق حجاب الكون ووقف مع العقل محبوسا في قيده يراها من الملكوت ، والمهتدي بنور الهداية الإلهية المنفتحة عين بصيرته يرى أن الملكوت بالنسبة إلى ذات الله تعالى كالملك بالنسبة إلى الملكوت ، فكما لا يرى التأثير من الأكوان لا يراها من ملكوتها بل من مالكها ومكوّنها ، فيقول حقا : لا إله إلا الله.
[٧٦] (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦))
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) أي : فلما أظلم عليه ليل عالم الطبيعة الجسمانية في صباه وأوّل