شبابه (رَأى) كوكب ملكوت الهيكل الإنساني التي هي النفس المسماة روحا روحانية وجد فيضه وحياته وربوبيته منها إذ كان الله تعالى يريه في ذلك الحين باسمه المحيي ، فقال بلسان الحال : (هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ) بعبوره عن مقام النفس وطلوع نور القلب وإشراقه عليه بآثار الرشد والتعقل ومعرفته لإمكان النفس ووجوب انطباعها في الجسم (قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) الغاربين في مغرب الجسم ، المحتجبين به ، المتسترين بظلمة الإمكان والاحتياج إلى الغير (فَلَمَّا رَأَى) قمر القلب بازغا بوصوله إلى مقام القلب وطلوعه من أفق النفس بظهوره عليه ورأى فيضه بمكاشفات الحقائق وعلمه وربوبيته منه ، إذ كان الله تعالى يريه حينئذ باسمه العالم والحكيم (قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ) باحتجابه عنه وعبوره عن طوره وشعوره بأن نوره مستفاد من شمس الروح وإنه قد يتغيب في ظلمة النفس وصفاتها فيحتجب بها ولا نور له أعرض عن مقامه سالكا طريق تجلي الروح قائلا : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي) إلى نور وجهه (لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) الذين يحتجبون بالبواطن عنه كالنصارى الواقفين مع الحجب النورانية.
[٧٧ ـ ٧٩] (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩))
(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ) الروح (بازِغَةً) بتجليها عليه وظهور نورها وجد فيضه وشهوده وربوبيته منها إذ كان الله تعالى يريه حينئذ باسمه الشهيد والعلي العظيم (قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) لعظمته وشدّة نورانيته (فَلَمَّا أَفَلَتْ) باستيلاء أنوار تجلي الحق وطلوع سبحات الوجه الباقي ، وانكشاف حجاب الذات بوصوله إلى مقام الوحدة رأى النظر إلى الروح وإلى وجوده مشركا فقال : (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) به أي : أيّ شيء كان إذ لا وجود لغيره (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) أي : أسلمت ذاتي ووجودي (لِلَّذِي) أوجد سموات الأرواح وأرض النفس مائلا عن كل ما سواه حتى عن وجودي بالفناء فيه (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : لست من الشرك في شيء ، كوجود البقية وظهورها وغير ذلك.
[٨٠ ـ ٨١] (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١))