[٣٥] (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥))
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) الروح بلسان الحال عند التوجه إلى الله في طلب الشهود (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ) أي : بلد البدن (آمِناً) من غلبات صفات النفس وتنازع القوى وتجاذب الأهواء (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَ) القوى العاقلة النظرية والعملية والفكر والحدس والذكر وغيرها. (أَنْ نَعْبُدَ) أصنام الكثرة عن المشتهيات الحسية والمرغوبات البدنية والمألوفات الطبيعية بالمحبة.
[٣٦] (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦))
(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) بالتعلق بها ، والانجذاب إليها ، والاحتجاب بها عن الوحدة (فَمَنْ تَبِعَنِي) في سلوك طريق التوحيد (فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ) تستر عنه تلك الهيئة المظلمة بنورك (رَحِيمٌ) ترحمه بإفاضة الكمال عليه بعد المغفرة.
[٣٧] (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧))
(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ) ذريّة قواي (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) أي : وادي الطبيعة الجسمانية الخالية عن زرع الإدراك والعلم والمعرفة والفضيلة (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) الذي هو القلب (رَبَّنا لِيُقِيمُوا) صلاة المناجاة والمكاشفة (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً) من ناس الحواس (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) فتميزهم بأنواع الإحساسات وتمدّهم بإدراك الجزئيات وتميل إليهم بالمشايعة وترك المخالفة بالميل إلى الجهة السفلية واللذة البدنية (وَارْزُقْهُمْ) من ثمرات المعارف والحقائق من الكليات (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) نعمتك فيستعملون تلك المدركات في طلب الكمال.
[٣٨] (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨))
(رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي) مما فينا بالقوّة (وَما نُعْلِنُ) مما أخرجناه إلى الفعل من الكمالات (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ) في أرض الاستعداد ولا في سماء الروح.
[٣٩] (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩))
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى) كبر الكمال (إِسْماعِيلَ) العاقلة النظرية (وَإِسْحاقَ) العلمية (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) أي : لسميع لدعاء الاستعداد ، كما قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي.