الأرواح وعالم الأجساد (وَما أَمْرُ) القيامة الكبرى بالقياس إلى الأمور الزمانية (إِلَّا) كأقرب زمان يعبر عنه مثل لمح البصر (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) وهو بناء على التمثيل وإلا فأمر الساعة ليس بزماني وما ليس بزماني يدركه من يدركه لا في الزمان (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يقدر على الإماتة والإحياء والحساب لا في زمان كما يشاهد أهله وخاصته.
[٧٩ ـ ٨٢] (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢))
(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) القوى الروحانية والنفسانية من الفكر والعقل النظري والعملي ، بل الوهم والتخيّل (مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ) أي : فضاء عالم الأرواح (ما يُمْسِكُهُنَ) من غير تعلق بمادة ولا اعتماد على جسم ثقيل (إِلَّا اللهُ).
[٨٣] (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣))
(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ) أي : هداية النبي أو وجوده لما ذكرنا أنّ كل نبيّ يبعث على كمال يناسب استعدادات أمّته ويجانسهم بفطرته ، فيعرفونه بقوّة فطرتهم (ثُمَّ يُنْكِرُونَها) لعنادهم وتعنتهم بسبب غلبة صفات نفوسهم من الكبر والأنفة وحبّ الرياسة أو لكفرهم واحتجابهم عن نور الفطرة بالهيئات الغاسقة الظلمانية وتغير الاستعداد الأول (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) في إنكاره لشهادة فطرهم بحقيته.
[٨٤ ـ ٨٦] (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦))
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) أي : نبعث نبيّهم على غاية الكمال الذي يمكن لأمّته الوصول إليه أو التقرّب منه والتوجه إليه لإمكان معرفتهم إياه فيعرفونه ، ولهذا يكون لكل أمة شهيد غير شهيد الأمة الأخرى ، ويعرف كل من قصر وخالف نبيّه بالإعراض عن الكمال الذي هو يدعو إليه ، والوقوف في حضيض النقصان قصوره واحتجابه فلا حجة له ولا نطق ، فيبقى متحيّرا متحسرا ، وهو معنى قوله : (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ولا سبيل له إلى إدراك ما فاته