واعلم أن الخلاف لما قوي في هذه المسألة من الطرفين ذهب قوم من الجمهور إلى التخيير بين الغسل والمسح ، وآخرون إلى الجمع بينهما احتياطا ؛ فصار فيها أربعة مذاهب ، وخص من عموم الأعضاء الأربعة ما قام به مانع من التطهير كالجراحة والشجة ونحوها.
(أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) [المائدة : ٦] عام خص منه من لا تشتهى لصغرها والمحرم ، على خلاف في ذلك ؛ فلا ينقض الوضوء مسها واللمس من غير قصد أو لغير شهوة عند بعضهم ، ثم إن الملامسة حقيقة وضعية في تماس البشرتين ، ومجاز في الوطء ؛ فمن اعتبرهما من لفظ واحد ـ كالشافعي ونحوه ـ ينقض الوضوء بالجماع واللمس ، ومن لم يعتبرهما في لفظ واحد ـ كأبي حنيفة ـ نقض / [٦٣ ب / م] الوضوء بالجماع للإجماع ، ولم ينقضه باللمس ، وإلا لاعتبر من اللفظ الواحد حقيقته ومجازه وأنه باطل عنده ، وهذا من مسائل الحقيقة والمجاز في أصول الفقه.
(فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) [المائدة : ٦] هذا نكرة في سياق نفي ؛ فيعم ، ومقتضاه أنه إن لم يعدم جميع أفراد الماء المطلق لا يجوز له التيمم. وقد وقع النزاع في صور :
منها : الماء المتغير بالطاهرات تغيرا شديدا بحيث لا يخرجه عن طبيعة الماء وقوته ، هل يجوز الوضوء بناء على أن الماء المطلق يتناوله أم لا؟ (١).
ومنها : المستعمل في رفع الحدث (٢) ، أجاز مالك استعماله في الطهارة مع الكراهة ، ومنعه الباقون ؛ بناء على ذلك أو كونه صار نجسا عند بعضهم.
ومنها : نبيذ التمر عند عدم الماء في السفر ، هل يتوضأ به أم لا؟
منعه الأئمة إلا أبا حنيفة (٣).
حجة المانع : أن جميع أفراد الماء معدومة فوجب الانتقال إلى التيمم ؛ إذ لم يجعل الشرع بينهما واسطة فمن أجاز الوضوء بالنبيذ فقد أثبت الواسطة ، حيث لم يثبتها الشرع ، وأنه غير جائز.
__________________
(١) انظر بداية المجتهد [١ / ٢٠ ، ٢١] ونهاية المحتاج [١ / ٥٤] حاشية رد المحتاج [١ / ١٨١] ، فتح القدير [١ / ٦٢ ، ٦٤].
(٢) انظر المغني [١ / ١٨ ، ٢٠] ، الإنصاف [١ / ٣٥ ، ٣٦] وبداية المجتهد [١ / ٢١] ، الكافي [١ / ١٥٨] ومغني المحتاج [١ / ٢٠] شرح فتح القدير [١ / ٧٧ ، ٧٨].
(٣) انظر المدونة [١ / ٤] ، بداية المجتهد [١ / ٢٥ ، ٢٦] وشرح فتح القدير [١ / ١٠٣ ، ١٠٥].