إن كان الأول ، فتكوينه تحصيل الحاصل ، وإن كان الثاني ، فليس حينئذ شيئا حتى يقال له : كن ، والآية تضمنت أن الذي يقال له : كن شيء ، والشيء في اللغة الموجود ، وهو نقيض المعدوم.
والجواب : على رأي المعتزلة سهل ؛ لأن عندهم بين الموجود والمعدوم واسطة تسمى الثابت ، وهو لا موجود ولا معدوم ، فعلى هذا معنى الآية : إذا أردنا إخراج بعض هذه الأفراد الثابتة إلى الوجود ، قلنا له : كن موجودا أو كن خارجا عن حال الثبوت إلى الوجود ، فيخرج.
أما على رأي الجمهور النفاة لهذه الواسطة ؛ فنقول : إن للحقائق بالنسبة إلينا وجودا خارجيا وذهنيا ولسانيا وبنانيا ، أي : بالكتابة بالبنان ، والوجود الذهني صورة [في الذهن] مطابقة للخارجي ، وإذا عرف هذا فنحن نثبت الحقائق بالنسبة إلى الله ـ عزوجل ـ وجودا علميا على وزان وجودها الذهني بالنسبة إلينا ، وحينئذ معنى الآية : إذا أردنا إيجاد شيء من الموجودات العلمية إلى الخارج ، قلنا له : كن فيكون ، فباعتبار وجوده في العلم صح تسميته شيئا وموجودا وباعتبار عدم وجوده في الخارج صح إيجاده وقبوله لتأثير المؤثر.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣) [النحل : ٤٣].
هذا / [١١٩ أ / م] جواب من قال : (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (٢٤) [القمر : ٢٤].
أو جواب من قال : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٢١) [الفرقان : ٢١].
أو (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) (٨) [الأنعام : ٨] ونحوه ، وتقرير شبهتهم : أن هذا رجل مثلنا ، فاختصاصه بالرسالة دوننا ترجيح بلا مرجح ، فأجيبوا ، بأنا قد أرسلنا قبله رسلا رجالا إلى أممهم السالفة ، وقد سلمتم ذلك ، فإن لزم المحال من إرسال محمد إليكم ، فيلزم من إرسال الرجال إلى من قبلكم ، وهذا واف في إبطال شبهتهم ، أما بيان عدم لزوم الترجيح بلا مرجح ، فقد سبق في سورة إبراهيم ، ولكن الله يمن على من يشاء من عباده.