المواد ، وينتقل من رتبة النطفة ، إلى رتبة العلقة ، ومن رتبة العلقة ، إلى رتبة المضغة ، كذلك إلى أن تحصل له الآلات كمالا ، عين وأذن ، ويد ورجل ، وأنف ولسان ، وغير ذلك بالأمور المتقدم شرحها ليقوم بالفعل لها عند مصيره إلى عالم الحس ؛ إذ كان وجودها له في تلك الظلمات وضيق الأحشاء التي إليها كان مصيره ، وإذا حصل له تلك الآلات المهيئة بالاكتساب داخلا قام مصيره إلى دار الحس ، قابلا طيّباتها وآلامها بحسب طبيعته المكتسبة ، قلنا أولا على أن النفوس في أحوالها مقابلة أن وجودها في جسمها كوجود جسمها في الأحشاء والظلمات ، ووجودها في جسمها لا له ، بل لذاتها التي تليق بعالم آخر إليه مصيرها ، واستمدادها البركات الإلهية واستفادتها العلوم بالأعمال الشرعية بذاتها واجتهادها ، لتقوم به ذاتها ، وتهيؤها لأنوار الملكوت ، فقد أسفرت المقابلة عن توازن يوجب لها جزاء وثوابا وعقابا.
وقد جاء عن سيدنا المؤيد قدس الله سرّه في بعض مجالسه مثل ذلك بقوله : أيها المؤمنون نفعكم الله بسماع الحكمة ، وأوزعكم شكر (١) أولياء النعمة ، ارغبوا بنفوسكم عن ملاءمة الجسم المظلم ، الذي منشأه من اللحم والدم ، المتكون عن التقاء العضوين ، كلاهما لا يذكر ، كما أن الفاحش يستر ، فلولا معاجلته بالغسل والتنقية دائما ، لجاف حيا قبل أن يجيف ميتا ، ولو لا ارتباط النفس البشرية به لساء ذاك نبتا ، وساء ذلك منبتا. فاسعوا إلى صور كلمة التنزيل والتأويل نطفتها ، واللسان مجراها ، والأذنان مدرجها ، والنفس الشريفة مستقرها ، وإلى عالم الطهارة والنور معادها ومرجعها ، فهنالك البهاء والنور والضياء ، نور على نور ، يهدي الله لنوره من يشاء.
__________________
(١) شكر : بشكر في ج.