الباب الثالث :
«في القول على المنبعثين جميعا وبما تباينا»
نقول : إن المبدع الأول لما أفصح ناطقا ، وأعلن محققا بكلمة الإخلاص وكان مبتدعها ، والسابق إليها ، فنفى وأثبت وشهد لمبدعه بالإلهية ، وقنت وجهر بذلك ، وما خافت ، ففطن به كما ذكرنا هذان المنبعثان ، وتحقّقا بما خصه به مبدعه من نور ، وجلال ، وبهاء ، وكمال (١) ؛ بما فاق به من أبناء جنسه في كل حال. فسبق القائم بالفعل كما ذكرنا إلى تعظيمه ، وتشريفه ، وتسبيحه ، وتقديسه ؛ فكان ذلك هو فعله وسبقه وكماله الثاني ، وجلاله بسبب التزامه بحده السابق عليه ، وتنزيهه وتوحيده أيضا لما وحده ، وشهادته بما شهد به من الإلهية للمتعالي ، وتعظيمه بنطق إيضاح مفصح ، وقول منجح ، مسموع معقول. فاستحق باسم الفعل ، وكمل به كمال الثاني ، فكان كاملا في ذاته ، تاما في فعله ، وطرقه في ساعته من البهاء ، والنور ، والضياء ؛ ما لا يصفه واصف ، ولا يكيفه مكيف.
ثم ان المنبعث الثاني سبح المبدع الأول وقدسه ، ومجده ، وشرفه ، وعظمه ، ولم يشهد بما شهده به للمتعالي سبحانه من الإلهية فكان ذلك على سبيل الغلو (٢)
__________________
(١) لامتناع الوجود من نوع وجوده ، والشيء التام هو ما لا يوجد له خارجا عن مثل في نوعيته ، لكون مثله هو منه ، وفيه معدود منه.
(٢) على هذه الصورة يناقش كيفية وقوع الخطيئة عن طريق السهو والغفلة بلا قصد فلم يقر بمرتبة ـ