من حالة إلى حالة ، ومن رتبة إلى رتبة ، أولها بالعفوصة وبعد ذلك بالحموضة ، وبعده بالامتزاج ، وتنتهي إلى الحلاوة ، ويكون ابتداء طينها إذا قد حلت السرطان وقد قطعت أربعة بروج ، ونهاية (١) حلولها الميزان الذي هو السابع فيغتذي الحيوان وينمو ويتفكّه الإنسان ويتنعم ، ويكون سبيل الأرض في هذا المقدار سبيل مائدة قد جمع فيها الأطعمة الهنية ، والفواكه السنية ، وكلّ ينال منها بقدر حظّه واستحقاقه ويكون نهاية ذلك كله صعود الحياة الهيولانية من هذه القوى إلى القامة الألفية الذي هو الكمال الأول الذي جميع هذا الدولاب هيئ له وبسببه والعناية الطبيعية واقفة عنده ، إذ هو حد صنعتها.
فلمّا كان ذلك كذلك علم الحكماء العلماء أن لله سبحانه أفلاك دين لإخراج هذه الصنعة العجيبة من حد العدم إلى الوجود ، ومن الكمال الثاني. وقد أوجب الله تعالى وعم جميع الخلق بالنقصان بالآية المشهورة : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (٢) ، فدل ذلك بأن لا عذر من معلم ومتعلم. وقال الله تعالى : (يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (٣) فدل على الوسائط بينه وبين خلقه ، وإلّا وقع الجور فكان الرسل من الملائكة هم «الذين يعملون الرسل الذين من الناس الذين هم الأنبياء» (٤).
ووجبت الطاعات والمثلات : طاعة الله وطاعة رسوله ، وطاعة أولي الأمر. فذلك في الروحانية جار كما الحال جار في عالم الطبيعة والحال كالحال إذا وقع الظهور ، والعلوم متزايدة فذلك يقابل صلاح عالم الطبيعة ، وإذا وقع الاستتار والانكتام فذلك يقابل الجدب والقحط.
فعالم الدين لا ينقطع أبدا على سبيل أمور الطبيعة سواء بسواء ، ولا عذر
__________________
(١) ونهاية : ونهايته في ج.
(٢) سورة : ١٦ / ٧٨.
(٣) سورة : ٢٢ / ٧٥.
(٤) سقطت الكلمات الموضوعة داخل قوسين من ج.