أشرف هذا الإنسان وأجله إذا عرف ذاته ، وما أنعم الله عليه من فضله على أيدي أوليائه وحدوده.
وقال أيضا : فإذا تعلمت الناطقة العلم ، وتهذبت ووقفت على حقائق الأشياء وتطهرت من كل دنس ، وتبرأت من الأفعال الردية ، والخصال المذمومة إلى الخصال المحمودة ، وعملت ما يوجبه الحق ، واستحقت ثوابها ، ووصلت إلى النفع المجموع في قدرة باريها ، وعرفت الحق في أي جهة هو ، ولم تتعد الحدود ، وعلمت فعل الولي وفعل الضد ، صارت معهم بالمشاكلة والمجانسة ، ولا تفارقهم حيث كانوا إلى أن تصل إلى أعلى المراتب بالحكمة التامة وتعلم العلم الحقيقي ، وإن نقوش دار الآخرة هي العلم والعمل الذي أورده الأنبياء والأوصياء والأئمة ، صلى الله عليهم أجمعين ، عن الله سبحانه الذي تصور النفس الناطقة التي تتخلص بها في معادها عند عودها إلى معدنها التي جاءت منه ، وتنال الدرجات الموعود بها من انتقالها من حالة إلى حالة ، ومن درجة إلى درجة ، إلى أن تصير مركزا لغيرها كما كان غيرها مركزا لها ، إلى أن أخرجتها من حد القوة إلى حد الفعل ؛ ومن الاستفادة إلى حد الإفادة ، ومن حد الإناث إلى حد الذكور ، ونقلها من أسفل سافلين ، إلى أعلى عليين.
فتأمل رحمك الله هذا الفصل الذي جاء عن الأئمة الطاهرين ، ولا يمر عليك صفحا ، واتعب قليلا تسترح أبد الآبدين ، وتكون من العالين. فالنفس الراضية المرضية المطمئنة بفعلها ، يطلبها العلو إلى أن يبلغها أعلى عليين.
وقد جعل سبحانه الجنة درجات ، فإذا صفت وخفت ، خرقت الحجب وتعلقت بجوهر الصفاء ودار البقاء ؛ فعليك بمودة إمام الزمان الذي تدعى به عند البعث كما قال تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (١). لأن طاعته فرض لا رخصة فيه لأحد أبدا.
__________________
(١) سورة : ١٧ / ٧١.