وانتصاب (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) على أنه بدل ، أو عطف بيان من القوم الظالمين ، ومعنى (أَلا يَتَّقُونَ) ألا يخافون عقاب الله سبحانه ، فيصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته. وقيل المعنى : قل لهم ألا تتقون ، وجاء بالياء التحتية لأنهم غيب وقت الخطاب ، وقرأ عبيد بن عمير وأبو حازم «ألا تتّقون» بالفوقية ، أي : قال لهم ذلك ، ومثله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) (١) بالتحتية ، والفوقية (قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) أي : قال موسى هذه المقالة ، والمعنى : أخاف أن يكذبوني في الرسالة (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) معطوفا على أخاف ، أي : يضيق صدري لتكذيبهم إياي ، ولا ينطلق لساني بتأدية الرسالة ، قرأ الجمهور برفع (يَضِيقُ وَلا يَنْطَلِقُ) بالعطف على أخاف كما ذكرنا ، أو على الاستئناف ، وقرأ يعقوب وعيسى بن عمرو وأبو حيوة بنصبهما عطفا على يكذبون. قال الفراء : كلا القراءتين له وجه. قال النحاس : الوجه الرفع ، لأن النصب عطف على يكذبون وهذا بعيد (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) أي : أرسل إليه جبريل بالوحي ليكون معي رسولا مؤازرا مظاهرا معاونا ، ولم يذكر المؤازرة هنا لأنها معلومة من غير هذا الموضع ، كقوله في طه : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً) (٢) وفي القصص (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) (٣) ، وهذا من موسى عليهالسلام من باب طلب المعاونة له بإرسال أخيه ، لا من باب الاستعفاء من الرسالة ، ولا من التوقف عن المسارعة بالامتثال (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) الذنب : هو قتله للقبطي ، وسماه ذنبا بحسب زعمهم : فخاف موسى أن يقتلوه به ، وفيه دليل على أن الخوف قد يحصل مع الأنبياء فضلا عن الفضلاء ، ثم أجابه سبحانه بما يشتمل على نوع من الردع ، وطرف من الزجر (قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا) وفي ضمن هذا الجواب إجابة موسى إلى ما طلبه من ضم أخيه إليه ، كما يدلّ عليه توجيه الخطاب إليهما كأنه قال : ارتدع يا موسى عن ذلك واذهب أنت ومن استدعيته ولا تخف من القبط (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) وفي هذا تعليل للردع عن الخوف ، وهو كقوله سبحانه : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) (٤) وأراد بذلك سبحانه تقوية قلوبهما وأنه متولّ لحفظهما وكلاءتهما وأجراهما مجرى الجمع ، فقال : «معكم» لكون الاثنين أقلّ الجمع ، على ما ذهب إليه بعض الأئمة ، أو لكونه أراد موسى ، وهارون ، ومن أرسلا إليه ، ويجوز أن يكون المراد هنا : مع بني إسرائيل ، ومعكم ، ومستمعون : خبران لأنّ ، أو الخبر مستمعون ، ومعكم متعلق به ، ولا يخفى ما في المعية من المجاز : لأن المصاحبة من صفات الأجسام ، فالمراد معية النصرة والمعونة (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، ووحد الرسول هنا ولم يثنه كما في قوله : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) (٥) لأنه مصدر بمعنى رسالة ، والمصدر يوحد ، وأما إذا كان بمعنى المرسل ، فإنه يثنى مع المثنى ، ويجمع مع الجمع. قال أبو عبيدة : رسول بمعنى رسالة ، والتقدير على هذا : إنا ذوا رسالة ربّ العالمين ، ومنه قول الشاعر :
ألا أبلغ بني عمرو رسولا |
|
فإنّي عن فتاحتكم غني |
__________________
(١). آل عمران : ١٢.
(٢). طه : ٢٩.
(٣). القصص : ٣٤.
(٤). طه : ٤٦.
(٥). طه : ٤٧.