بأذى. وقال الحسن : تغطي نصف وجهها. وقال قتادة : تلويه فوق الجبين وتشدّه ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى إدناء الجلابيب ، وهو : مبتدأ ، وخبره : (أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) أي : أقرب أن يعرفن فيتميزن عن الإماء ويظهر للناس أنهنّ حرائر (فَلا يُؤْذَيْنَ) من جهة أهل الريبة بالتعرض لهنّ مراقبة لهنّ ولأهلهنّ ، وليس المراد بقوله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) أن تعرف الواحدة منهن من هي ، بل المراد أن يعرفن أنهن حرائر لا إماء ؛ لأنه قد لبسن لبسة تختص بالحرائر (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما سلف منهنّ من ترك إدناء الجلابيب (رَحِيماً) بهن أو غفورا لذنوب المذنبين ، رحيما بهم ، فيدخلن في ذلك دخولا أوّليا. ثم توعد سبحانه أهل النفاق والإرجاف فقال : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) عما هم عليه من النفاق (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي : شك وريبة عما هم عليه من الاضطراب (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) عما يصدر منهم من الإرجاف بذكر الأخبار الكاذبة المتضمنة لتوهين جانب المسلمين ، وظهور المشركين عليهم. قال القرطبي : أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد ، والمعنى : أن المنافقين قد جمعوا بين النفاق ، ومرض القلوب ، والإرجاف على المسلمين ، فهو على هذا من باب قوله :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
أي : إلى الملك القرم بن الهمام ليث الكتيبة. وقال عكرمة وشهر بن حوشب : الذين في قلوبهم مرض هم : الزناة. والإرجاف في اللغة : إشاعة الكذب والباطل ، يقال أرجف بكذا : إذا أخبر به على غير حقيقة ؛ لكونه خبرا متزلزلا غير ثابت ، من الرجفة وهي : الزلزلة. يقال رجفت الأرض : أي تحركت ، وتزلزلت ترجف رجفا ، والرجفان : الاضطراب الشديد ، وسمي البحر رجافا لاضطرابه ، ومنه قول الشاعر :
المطعمون اللحم كلّ عشيّة |
|
حتى تغيب الشّمس في الرّجّاف |
والإرجاف : واحد الأراجيف ، وأرجفوا في الشيء : خاضوا فيه ، ومنه قول شاعر :
فإنّا وإن عيّرتمونا بقلّة |
|
وأرجف بالإسلام باغ وحاسد |
وقول الآخر (١) :
أبالأراجيف يا ابن اللؤم توعدني |
|
وفي الأراجيف خلت اللؤم والخور |
وذلك بأن هؤلاء المرجفين كانوا يخبرون عن سرايا المسلمين بأنهم هزموا ، وتارة بأنهم قتلوا ، وتارة بأنهم غلبوا ، ونحو ذلك مما تنكسر له قلوب المسلمين من الأخبار ، فتوعدهم الله سبحانه بقوله : (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي : لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل ، والتشريد بأمرنا لك بذلك. قال المبرد : قد أغراه الله بهم في قوله بعد هذه الآية (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) فهذا في معنى الأمر بقتلهم وأخذهم ، أي :
__________________
(١). هو العين المنقري يهجو به العجاج بن رؤبة.