هذا حكمهم إذا كانوا مقيمين على النفاق والإرجاف. قال النحاس : وهذا من أحسن ما قيل في الآية. وأقول : ليس هذا بحسن ولا أحسن ، فإن قوله ملعونين إلخ ، إنما هو لمجرّد الدعاء عليهم لا أنه أمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتالهم ولا تسليط له عليهم ، وقد قيل : إنهم انتهوا بعد نزول هذه الآية عن الإرجاف فلم يغره الله بهم ، وجملة (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) جواب القسم ، وجملة : (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) معطوفة على جملة جواب القسم ، أي : لا يجاورونك فيها إلا جوارا قليلا حتى يهلكوا ، وانتصاب (مَلْعُونِينَ) على الحال ، كما قال المبرد وغيره ، والمعنى مطرودين (أَيْنَما) وجدوا وأدركوا (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا) دعاء عليهم بأن يؤخذوا ويقتلوا (تَقْتِيلاً) وقيل : إن هذا هو الحكم فيهم وليس بدعاء عليهم ، والأوّل أولى. وقيل معنى الآية : أنهم إن أصرّوا على النفاق لم يكن لهم مقام بالمدينة إلا وهم مطرودون (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) أي : سنّ الله ذلك في الأمم الماضية ، وهو لعن المنافقين ، وأخذهم ، وتقتيلهم ، وكذا حكم المرجفين ، وهو منتصب على المصدر. قال الزجاج : بين الله في الذين ينافقون الأنبياء ، ويرجفون بهم أن يقتلوا حيثما ثقفوا (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي : تحويلا ، وتغييرا ، بل هي ثابتة دائمة في أمثال هؤلاء في الخلف والسلف (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ) أي : عن وقت قيامها وحصولها ، قيل : السائلون عن الساعة هم أولئك المنافقون ، والمرجفون لما توعدوا بالعذاب ، سألوا عن الساعة استبعادا ، وتكذيبا (وَما يُدْرِيكَ) يا محمّد! أي : ما يعلمك ويخبرك (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) أي : في زمان قريب ، وانتصاب قريبا على الظرفية ، والتذكير لكون الساعة في معنى : اليوم أو الوقت مع كون تأنيث الساعة ليس بحقيقي ، والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لبيان أنها إذا كانت محجوبة عنه لا يعلم وقتها ، وهو رسول الله ، فكيف بغيره من الناس؟ وفي هذا تهديد لهم عظيم (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ) أي : طردهم ، وأبعدهم من رحمته (وَأَعَدَّ لَهُمْ) في الآخرة مع ذلك اللعن منه لهم في الدنيا (سَعِيراً) أي نارا شديدة التسعر (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) بلا انقطاع (لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يواليهم ويحفظهم من عذابها (وَلا نَصِيراً) ينصرهم ويخلصهم منها ، ويوم في قوله : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ظرف لقوله لا يجدون ، وقيل : لخالدين ، وقيل : لنصيرا ، وقيل : لفعل مقدر ، وهو الذكر. قرأ الجمهور «تقلّب» بضم التاء وفتح اللام على البناء للمفعول. وقرأ عيسى الهمداني ، وابن أبي إسحاق «نقلّب» بالنون وكسر اللام على البناء للفاعل ، وهو الله سبحانه. وقرأ عيسى أيضا بضم التاء وكسر اللام على معنى تقلب السعير وجوههم. وقرأ أبو حيوة ، وأبو جعفر ، وشيبة بفتح التاء واللام على معنى تتقلب ، ومعنى هذا التقلب المذكور في الآية : هو تقلبها تارة على جهة منها ، وتارة على جهة أخرى ظهرا لبطن ، أو تغير ألوانهم بلفح النار ، فتسودّ تارة وتخضرّ أخرى ، أو تبديل جلودهم بجلود أخرى ، فحينئذ (يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) والجملة مستأنفة كأنه قيل فما حالهم؟ فقيل : يقولون ، ويجوز أن يكون المعنى : يقولون يوم تقلب وجوههم في النار : يا ليتنا إلخ. تمنوا أنهم أطاعوا الله والرسول ، وآمنوا بما جاء به ، لينجوا مما هم فيه من العذاب ، كما نجا المؤمنون ؛ وهذه الألف في الرسولا ، والألف التي ستأتي في «السبيلا» هي الألف التي تقع في الفواصل ويسميها النحاة ألف الإطلاق ، وقد سبق بيان هذا في أوّل