لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩))
قوله : (وَقالُوا يا وَيْلَنا) أي : قال أولئك المبعوثون لما عاينوا البعث الذي كانوا يكذبون به في الدنيا : يا ويلنا ، دعوا بالويل على أنفسهم. قال الزجاج : الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة ، وقال الفراء : إن أصله ياوي لنا ، ووي بمعنى الحزن كأنه قال : يا حزن لنا. قال النحاس : ولو كان كما قال لكان منفصلا ، وهو في المصحف متصل ، ولا نعلم أحدا يكتبه إلا متصلا ، وجملة (هذا يَوْمُ الدِّينِ) تعليل لدعائهم بالويل على أنفسهم ، والدين الجزاء ، فكأنهم قالوا هذا اليوم الذي نجازي فيه بأعمالنا من الكفر والتكذيب للرسل فأجاب عليهم الملائكة بقولهم : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ، ويجوز أن يكون هذا من قول بعضهم لبعض ، والفصل الحكم والقضاء لأنه يفصل فيه بين المحسن والمسيء ، وقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) هو أمر من الله سبحانه للملائكة بأن يحشروا المشركين وأزواجهم ، وهم أشباههم في الشرك ، والمتابعون لهم في الكفر ، والمشايعون لهم في تكذيب الرسل ، كذا قال قتادة وأبو العالية. وقال الحسن ومجاهد : المراد بأزواجهم نساؤهم المشركات الموافقات لهم على الكفر والظلم. وقال الضحاك : أزواجهم قرناؤهم من الشياطين يحشر كلّ كافر مع شيطانه ، وبه قال مقاتل (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام والشياطين ، وهذا العموم المستفاد من ما الموصولة ، فإنها عبارة عن المعبودين ، لا عن العابدين كما قيل مخصوص ، لأن من طوائف الكفار من عبد المسيح ، ومنهم من عبد الملائكة فيخرجون بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١) ووجه حشر الأصنام مع كونها جمادات لا تعقل هو زيادة التبكيت لعابديها وتخجيلهم وإظهار أنها لا تنفع ولا تضرّ (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) أي عرّفوا هؤلاء المحشورين طريق النار وسوقوهم إليها ، يقال هديته الطريق وهديته إليها : أي دللته عليها ، وفي هذا تهكم بهم (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) أي احبسوهم ، يقال وقفت الدابة أقفها وقفا فوقفت هي وقوفا يتعدّى ولا يتعدّى ، وهذا الحبس لهم يكون قبل السوق إلى جهنم : أي وقوفهم للحساب ثم سوقوهم إلى النار بعد ذلك ، وجملة (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) تعليل للجملة الأولى. قال الكلبي : أي : مسؤولون عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم. وقال الضحاك : عن خطاياهم ، وقيل : عن لا إله إلا الله ، وقيل : عن ظلم العباد ، وقيل : هذا السؤال هو المذكور بعد هذا بقوله : (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) أي : أيّ شيء لكم لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا ، وهذا توبيخ لهم وتقريع وتهكم بهم ، وأصله تتناصر وفطرحت إحدى التاءين تخفيفا. قرأ
__________________
(١). الأنبياء : ١٠١.