إن ، قاله الأخفش. وقرأ ابن السميقع وعيسى بن عمر «كلّا» بالنصب. قال الكسائي والفراء على التأكيد لاسم إن بمعنى كلنا ، وتنوينه عوض عن المضاف إليه ، وقيل : على الحال ورجحه ابن مالك (إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) أي : قضى بينهم بأن فريقا في الجنة ، وفريقا في السعير (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ) من الأمم الكافرة ، مستكبرهم وضعيفهم (لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ) جمع خازن ، وهو القوّام بتعذيب أهل النار (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) يوما ظرف ليخفف ، ومفعول يخفف محذوف ، أي : يخفف عنا شيئا من العذاب مقدار يوم أو في يوم ، وجملة (قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ) مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، والاستفهام للتوبيخ والتقريع (قالُوا بَلى) أي : أتونا بها فكذبناهم ولم نؤمن بهم ولا بما جاءوا به من الحجج الواضحة ، فلما اعترفوا (قالُوا) أي : قال لهم الملائكة الذين هم خزنة جهنم (فَادْعُوا) أي : إذا كان الأمر كذلك فادعوا أنتم ، فإنا لا ندعو لمن كفر بالله وكذب رسله بعد مجيئهم بالحجج الواضحة. ثم أخبروهم بأن دعاءهم لا يفيد شيئا فقالوا : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي : في ضياع وبطلان وخسار وتبار ، وجملة (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) مستأنفة من جهته سبحانه ، أي : نجعلهم الغالبين لأعدائهم القاهرين لهم ، والموصول : في محل نصب عطفا على رسلنا ، أي : لننصر رسلنا ، وننصر الذين آمنوا معهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بما عوّدهم الله من الانتقام منهم بالقتل ، والسلب ، والأسر ، والقهر (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) وهو يوم القيامة. قال زيد بن أسلم : الأشهاد هم الملائكة والنبيون. وقال مجاهد والسدّي : الأشهاد الملائكة تشهد للأنبياء بالإبلاغ ، وعلى الأمم بالتكذيب. قال الزجاج : الأشهاد جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب. قال النحاس : ليس باب فاعل أن يجمع على أفعال ولا يقاس عليه ، ولكن ما جاء منه مسموعا أدّي على ما يسمع ، فهو على هذا جمع شهيد ، مثل شريف وأشراف ، ومعنى نصرهم يوم يقوم الأشهاد : أن الله يجازيهم بأعمالهم ، فيدخلهم الجنة ، ويكرمهم بكراماته ، ويجازي الكفار بأعمالهم ، فيلعنهم ، ويدخلهم النار ، وهو معنى قوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) أي : البعد عن الرّحمة (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) أي : النار ويوم بدل من يوم يقول الأشهاد ، وإنما لم تنفعهم المعذرة لأنها معذرة باطلة ، وتعلة داحضة وشبهة زائغة ، قرأ الجمهور «تنفع» بالفوقية. وقرأ نافع والكوفيون بالتحتية ، والكل جائز في اللغة.
وقد أخرج البخاري في تاريخه ، وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) قال : السفاكين للدّماء بغير حقها. وأخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة» زاد ابن مردويه. ثم قرأ (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا). وأخرج البزار وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ما أحسن محسن مسلم أو كافر إلا أثابه الله ، قلنا يا رسول الله ما إثابة الكافر؟ قال : المال والولد والصحة وأشباه ذلك ، قلنا : وما إثابته في الآخرة؟