نسب الجعل إليه اعتناء به وإلا فليس في قدرته جعله نارا وإنما ذلك بفعل الله تعالى وهو مجاز ؛ أي جعله ذا نار إلا أنه هو نفس النار ، والنار لا توجد إلا في شيء ، قال تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها) [سورة الواقعة : ٧١ ـ ٧٢] ولم يقل : أنشأتموها.
قيل لابن عرفة : فالنار جسم أو عرض؟ فقال : جسم مجاور ما حل فيه إلا يمازجه.
قوله تعالى : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً).
عبر في الأول بالفعل وفي الثاني بالاسم ، فهلا قيل : وما استطاعوا أن ينقبوه ، أو يقال : فما استطاعوا له ظهورا؟ قال : فعادتهم يجيبون بأن الفعل عندنا مشتق من المصدر فدلالته على المعنى أظهر من دلالة المصدر ؛ لأن المشتقات تدل منها على ما اشتقت منه وزيادة ، فلما كانت دلالة الفعل على المعنى أظهر من دلالة المصدر عليه عبر به عن الظهور لتكون دلالته مناسبة للفظه ، كما قيل : صرصر البازي وصر الحبوب ، وعبر عن النقب بالاسم على الأصل ؛ لأنه مفعول والأصل أن يكون مفردا ، أو يحتمل أن يجاب بمراعاة رءوس الآي.
قيل لابن عرفة : أو يقال : إن الصعود عليه أصعب من نقبه فنفى بلفظ الفعل المقتضي لعموم عجزهم عن قليله فأحرى كثيره ؛ فالنقب أخف ، فنفى أشده لأنهم ذكروا أنهم ينقبون كل وقت ولا يتم لهم ذلك ، ولما في حديث البخاري : " فتح اليوم من سد يأجوج ومأجوج مقدار هذه وحلق بأصبعه السبابة حلقه ، فقال : ذلك الفتح من الله وليس من قبلهم" ، وهي علامة على قرب الساعة ، فإن قلت : لم حذفت التاء من اسطاعوا الأول ، وثبتت في الثاني؟ فأجاب أبو جعفر الزبير بوجهين :
أحدهما : أن معمول الأول جملة ، ومعمول الثاني مفرد والجملة أكثر حروفا من المفرد ؛ فناسب حذف التاء من الأول دون الثاني لتعاد.
الوجه الثاني : أن الظهور على السد أسهل من نقبه وأخف فناسب التخفيف بحذف التاء من عامله وهو اسطاعوا ، كما قالوا في صرصر البازي ؛ أي اللفظ فيه مناسب لمعناه.
قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ).
قال ابن عرفة : هذا يدل على أنه كان عنده علم يتم بناء ويبقى صحيحا إلى أمد معلوم ، وكان يجوز أن يكون ذلك على يديه.