النفوس من كراهة ما يؤلمها ، وأكد وعدها بالثواب لحمل مشاق الفساد في الدنيا ، قلت : إنما الجواب عندي بوجهين :
الأول : إن جزاء الكافرين العذاب عدل من الله تعالى ، وجزاء المتقين بالجنة ، فضل من الله تعالى إن شاء فعله ، وإن شاء لم يفعله ، فأكده ليصير واجبا ما جاء به له عن نفسه فقوي رجاء المؤمنين وطمعهم فيه.
الثاني : أتى بعده (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فجزاؤهم مكرر مؤكد في هذه الآية فاستغنى به عن تأكيده أولا.
قوله تعالى : (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
من عطف الخاص على العام ؛ لأنه من سبيل الله.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).
ابن عرفة : هذا من المشاكلة ؛ لأنه قابل إرادة الإيجاز بذوق بعض العذاب ، والإرادة العزم على الشيء من غير فعله ، والذوق إدراك أوائل الشيء ومبادئه فقط ، فيجوز عن مبادئ السيئات ، وهو العزم عليها بمبادئ العذاب الأليم.
قيل لابن عرفة : هذا مخالف لحديث" من هم بسيئة ولم يعملها لم يكتب شيئا ، أو كتبت له حسنة" ، فقال : نعم هذا خاص والحديث عام ، وهذا متواتر والحديث اختصار أفاد وفعله معناه إرادة ذلك مع العزم والتصميم عليه حتى كأنه فعله وأما نفس الألم لا مع العزم والتصميم ، فلا شيء فيه ، فعلى هذا معنى هذه الآية.
قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ).
قال ابن عرفة : المكان هو المحل المحوط بأمرنا ومنهم من يزيد فيه بحيث يشار إليه أنه هناك أو هنا ، فهو على هذا مخالف للخبر ، فالطائر إذا نزل في الأرض هو في مكان ، وإذا كان في الهواء فهو في جنب ولم يكن في مكان ، ويبين أيضا على القول بالجلاء ، والملأ فعلى القول بالملأ ، يكون الطائر في مكان.
قال ابن عطية : والمفعول الأول هو إما محذوف تقديره والناس أو العالمين.
ابن عرفة : أما الناس فنعم وأما العالمين فبعيد ؛ لأن الحيوانات غير الإنسان لا ترجع إلى البيت ، وليست مكلفة بالعبادة.
قوله تعالى : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).