قال ابن عرفة : إن قلت : ما فائدة تأكيده بإن والمخاطب به غير منكر له؟ قلنا : هو مستغفر ، والمستغفر عادته أن يتمنى مطلوبه ويستبعد الزيادة على مطلوبه من الإحسان والإنعام ، فذلك أكده بإن.
قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ).
وقال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [سورة البقرة : ٣٠] ، فقدم المجرور على خليفة ، فأجيب بوجهين :
الأول : قال ابن عرفة : عادتهم يجيبون : بأن أحد أسباب التقديم الشرف ، وكان آدم عليه الصلاة والسّلام حينئذ معدوما والأرض موجودة ، والوجود أشرف من العدم ، وأما هنا فالمخاطب داود عليه الصلاة والسّلام وهو موجود ، وهو أشرف من الأرض بالضرورة.
الثاني : قال بعض الطلبة : هذه الآية في معرض التشريف لداود عليه الصلاة والسّلام تقدم فيها ما يقتضي التشريف وهو الخلافة ، وآية البقرة خرجت مخرج الاعتناء بالأرض ، فجعل الخليفة الموجبة لإزالة الفساد عنها ، وتغيير المناكر.
قوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
ابن عرفة : انظر ما أشد هل هذه أو آية العقود في قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [سورة المائدة : ٤٧] ، (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فقالوا : تلك أشد لأنهم توعدوا على عدم الحكم بالحق ، وهذا الوعيد على الحكم بالهوى ، فالحكم يتناول من حكم بالباطل ، ومن حكم بالحق لمفارقتها غير مقصود ، فآية العقود الوعيد فيها على عدم الحكم بالحق أعم من الحكم بالباطل ، أو من ترك الحكم من أصل ، وهذه الآية الوعيد فيها على الحكم بالهوى ؛ أعم من أن يكون بالباطل متبعا للهوى ، أو بالحق متبعا.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ).
ابن عرفة : قد يؤخذ منه جواز تعليل الحكم بعلتين لمنتقلتين ؛ لأن حلول العذاب بهم يعلل بإتباعهم الهوى المضل عن سبيل الله ، ونسيانهم يوم الحساب سبب في ضلالهم ؛ فالعلتان متداخلتان فهي علة واحدة.
قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً).